اساسهای فرهنگی ملل: سلسلهمراتب، پیمان و جمهور
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
ژانرها
25
إلا أن هذا ليس إلا بداية لعملية «أقلمة الذكريات» الطويلة الأمد، تلك العملية الضرورية لتكوين الأمم واستمراريتها، وهي بدورها ترتبط بفكرة «الأرض المقدسة» أو تقديس الوطن. من أين يأتي تقديس الأرض، ولماذا يشعر الشعب في الغالب أن مشاهدها الطبيعية ليست ملكا «لهم» فحسب، بل «مقدسة» كذلك؟ ربما الأمر الأكثر شيوعا هو أن الأرض التي «رأت» خطوات النبي والحكيم والقديس، و«سمعت» خطبهم، تصبح مقدسة؛ ومن ثم تصبح مميزة عن الأراضي المحيطة وعن الحياة اليومية. عملية التقديس هذه يمكن أن تمتد إلى نماذج وأفعال أبطال وبطلات وعباقرة عرقيين؛ فتثير لدى نسلهم مشاعر التبجيل والرغبة في أن يحذوا حذوهم. وليس الأبطال فحسب، بل من الممكن أن يعتبر الشعب كله مقدسا، ومن ثم مميزا، كما كانت الحال في إسرائيل القديمة؛ فالأرض لم تصبح فقط أرض الميعاد، بل أصبحت نفسها محل تعبد وتبجيل نظرا لقدسية شعبها. وداخل الوطن أيضا يمكن أن تحمل مواقع معينة قدرا معينا من القداسة، كما هي الحال في فكرة الوقوف على «أرض مقدسة» أو أرض معجزات مأثورة. هذه المواقع المقدسة من الممكن أن تكون أنهارا وجبالا، ومدنا ومعابد وساحات معارك، وحفريات ومتاحف، لكن أبرز حالاتها هي مقابر «أسلافنا»، ومقابر الأبطال الوطنيين الذين سقطوا قتلى؛ لأن قبورهم تحثنا على التفكر في قداسة «ماضينا» و«وطننا». بمجرد تقديس الوطن بهذه الطريقة، فإنه يصبح في حد ذاته موردا ثقافيا قويا لدعم الإحساس بالهوية القومية، وتصبح مشاعر الولاء المشتركة التي يولدها حس الهوية القومية معززة في الغالب بالحاجة إلى الدفاع عن المساحة المقدسة، من خلال التضحيات الكثيرة المقدمة في سبيل صالح الجماعة والوطن.
26 (3-3) التاريخ العرقي والعصر الذهبي
يوجد النوع الثالث من الموارد الثقافية في «التاريخ العرقي» للمجتمع. في هذا الصدد، تروي الأجيال المتعاقبة الذكريات المشتركة من الماضي العرقي لأمتها وتورثها. إنه حكايات يرويها الأفراد بعضهم لبعض؛ ولذلك، فالتاريخ العرقي أبعد ما يكون عن الاتساق والثبات؛ إذ عادة ما يوجد أكثر من رواية للتاريخ العرقي في الجيل الواحد والجماعة الواحدة، وكل من هذه الروايات السردية عرضة للتنقيح. إلا أنه على النقيض من الدراسات المهنية التي يجريها المؤرخون، يقدم التاريخ العرقي قصة تطورية تبرز بلغة سهلة الحفظ «الأحداث الرئيسية» و«نقاط التحول» في الماضي العرقي للمجتمع.
تعد «العصور الذهبية» الأكثر حضورا في الذاكرة من بين الروايات المصورة للتاريخ العرقي؛ إذ تتحدث عن عصور كانت الجماعة خلالها عظيمة ومجيدة من الناحية السياسية والعسكرية، أو كانت ثرية ومزدهرة، أو عندما كانت في أوج الإبداع الفكري والفني، أو الديني والروحاني. بعيدا عن النوع الأدبي والأسطوري الخالص من العصور الذهبية، ذلك الذي نجده في سفر التكوين أو في شعر هسيود، نرى نموذج النوع التاريخي من العصور الذهبية متجسدا في عصر أثينا الكلاسيكية، الذي كان يعتبر بالفعل عصرا ذهبيا خلال العصور القديمة. إلا أنه لم يكن أول عصر ذهبي من نوعه؛ ففي أواخر عهد الإمبراطورية الآشورية بالفعل، سعى بلاط الملك آشور بانيبال إلى محاكاة ثقافة بابل القديمة. ربما وقعت الحالة الأكثر شهرة لمثل هذا الإجراء خلال العصور القديمة في عصر الإمبراطور أغسطس، حيث نظر الكتاب ورجال الدولة إلى الفضائل والعقائد المسلم بها المزعومة في الجمهورية الرومانية القديمة في عصر كاتو وسكيبيو الأفريقي وقارنوها بترف الإمبراطورية الرومانية وفسادها . وفي عالم العصور الوسطى، ثمة حالة السلالة الملكية «السليمانية» الإثيوبية التي سعت إلى استعادة الثقافة الدينية و«السامية» القديمة لمملكة أكسوم التي كانت قائمة قبلها بألف عام؛ ومن ثم يحدثون إصلاحا جذريا في المجتمع الإثيوبي والثقافة الإثيوبية.
27
كانت العودة إلى عصر ذهبي جماعي أحد الأهداف الرئيسية لحركات الإحياء القومية. وكان ذلك يعني من الناحية العملية تجديد المجتمع في ضوء وروح العصر الذهبي الذي كان يعتبر مبجلا، إن لم يكن مقدسا. كان هذا هو المنظور الذي رأى منه القوميون اليونانيون علاقة اليونان الحديثة بتراثها الكلاسيكي البالغ القيمة، الذي يرمز له البارثينون، كما كان فهم أتباع تيار الفرعونية المصرية في أوائل القرن العشرين الذين حثوا المصريين على أن يتخلصوا من خمول دام لآلاف السنين، وأن يحاكوا مجد أسلافهم العظماء وإنجازاتهم البطولية، الممثلة على نحو واضح في مجمع معابد الكرنك الهائلة. يتجلى الطابع المقدس لذكريات العصر الذهبي ووظائفها بوضوح في هذا المثال وفي أمثلة أخرى. في عصر اتسم بالتغير السياسي والاجتماعي لبت تلك الذكريات الاحتياجات المشتركة إلى الرسوخ، والعراقة، والاستمرارية، بالإضافة إلى الأصالة والكرامة.
28 (3-4) التضحية والمصير
البعد الرابع والأخير من أبعاد الأمة هو «المصير»، ولطالما كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بمثل الكفاح والتضحية، حتى قبل عصر القومية. يمكن أن نجد مثل الكفاح والتضحية في الكتاب المقدس وفي أسفار المكابيين، بل نجدها واضحة في اليونان القديمة وفي روما القديمة، حيث كانت الشهرة والمجد الشخصيان والجمعيان، مثل شهرة ومجد الأسبرطيين في ترموبيل وبلاتيا، مدونة للأجيال القادمة في صورة شعرية. يوجد أيضا التراث القوي المتمثل في الاستشهاد الجماعي من أجل الدين والجماعة، الذي ظهر في أرمينيا في القرنين الرابع والخامس أثناء صراعاتها الكثيرة ضد إيران التوسعية ودياناتها الزرادشتية التي خضعت للإصلاح. في العصور الوسطى، يتجلى مثال الاستشهاد من أجل المجتمع بمزيد من الوضوح، فنجد موت المحاربين البطولي من أجل الدين الصحيح في الحروب الصليبية، وبالعكس نجده بين «الغزاة» العثمانيين، ونجده مصورا بشكل شديد الاختلاف في كتب رثاء الجماعات اليهودية التي تعرضت لمذابح في راينلاند وفي أماكن أخرى في هذه الفترة. ثم يجب أن نتحول إلى العصر الحديث، إبان صراع المقاطعات الهولندية مع إسبانيا، حيث نجد مزيدا من الأدلة على مثال الاستشهاد، وخصوصا في إحياء ذكرى وفاة ويليام الصامت. إلا أن مثال تحقيق المصير القومي بالتضحية الفردية أو الجماعية لم يترسخ ويتسع انتشاره إلا مع عصر القومية، فأصبح موردا ثقافيا ضروريا للهوية القومية.
29
صفحه نامشخص