اساسهای فرهنگی ملل: سلسلهمراتب، پیمان و جمهور
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
ژانرها
على الجانب الآخر، ترتبط أساطير التأسيس عادة بالمدن والدول المدن؛ فعلى سبيل المثال، نذكر أسطورة التنافس بين أثينا وبوسيدون على رعاية مدينة أثينا لمؤسسها إيريخثيوس، وموضوع المنحوتات على إحدى قوصرات البارثينون. أما الأسطورة الأكثر شيوعا، فتمثلها أسطورة أنثى الذئب التي أرضعت رومولوس وريموس مؤسسي روما؛ أو أسطورة نقل جثمان القديس مرقس - الذي يرمز له بأسد يطلق عليه «أسد القديس مرقس» - إلى مدينة البندقية. إلا أن أساطير التأسيس يمكن أن توجد أيضا في الممالك العرقية، ومن أشكالها الأكثر شيوعا تحول المملكة إلى دين عالمي، كما حدث في عهد الملك تريداته الثالث ملك الأرمن، وكلوفيس في بلاد الغال الفرنكية، وفلاديمير الأول في روس الكييفية. ومن الأشكال الأخرى إبرام معاهدة مع ممثلي سكان مجاورين وأصحاب ثقافة مشتركة، مثل المعاهدة أو قسم الوحدة الذي أنشأ «الاتحاد السويسري القديم» عام 1291، وإحياء المجتمع الاسكتلندي في إعلان أربروث عام 1320، وبالطبع قسم ملعب التنس عام 1789.
20
لكن، لعل النوع المألوف إلى أقصى درجة هو أسطورة السلف المشترك، بما تتضمنه من سلاسل نسب زاخرة وحس العرقية المشتركة. لطالما كانت أساطير السلف المشترك النوع الأكثر شيوعا بين أساطير أصول الشعوب في حقب ما قبل العصر الحديث، واستجداؤها بصلات القرابة يساعد في تفسير استمرارية كثير من «العرقيات». إلا أنه كما أوضح ووكر كونر، التاريخ «المحسوس» لا التاريخ الفعلي هو الضروري للشعور بالهوية الجمعية؛ ومن ثم فما يهم هو الإيمان بالأصل المشترك مهما كان هذا الإيمان مناقضا للحقيقة. تلك الأساطير قدمت أيضا النموذج الأكثر إثمارا بالنسبة إلى القوميين اللاحقين، بقدر ما تمثل أساسا لتصوير القوميين الشائع للأمة بأنها أسرة ممتدة كثيرا، «عائلة كبيرة مكونة من عائلات»؛ وهو وصف ذاتي يساعد بلا شك في توحيد الشعوب المقصودة وتحريكها من أجل تحقيق أهداف جماعية. ومن هنا جاء الإعجاب بالتصور العرقي للأمة، وارتباط الانتماء العرقي لاحقا ب «النقاء» و«الأصالة».
21 (2) «أساطير الاختيار الإلهي للشعوب»: من بين كثير من العناصر الرمزية التي تشكل جزءا من تراث المجتمع، لا توجد أسطورة أكثر قوة ومرونة من أسطورة الاختيار العرقي؛ فالاعتقاد في «اختيار» الإله شعبا أو جماعة بعينها لمهمة معينة أو هدف محدد له تاريخ طويل؛ إذ يمكن أن يعود هذا التاريخ إلى بلاد الرافدين القديمة ومصر الفرعونية، إلا أن «المثال التقليدي» لذلك هو التوراة، التي جاء بها موسى من جبل سيناء إلى بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر. في التوراة نقرأ عهدا مشروطا مفاده أنه إذا أطاع بنو إسرائيل وصايا الرب وطبقوا شريعته، فسوف يباركهم الرب، وسيمتلكون أرض كنعان الموعودة، هم وذريتهم. وإذا لم يفعلوا، فسوف يعاقبون وينفون. إن هدفهم هو أن يصبحوا أمة مقدسة، ومملكة من الكهنة؛ ومن ثم يصبحون بركة لكل الأمم. القداسة هنا تعني الانفصال عن عالم الأمم (الوثنية) المدنس، كي يستطيع بنو إسرائيل تطبيق قواعد أخلاقية وشعائرية دون تشتيت الرغبة الأنانية وإغراءاتها.
22
ظهرت أساطير الانتخاب الإلهي القائم على العهود بالتحديد في مجتمعات متعددة، بداية من الأرمن الجريجوريين في القرنين الرابع والخامس، والإثيوبيين «السليمانيين» في القرن الثالث عشر وحتى القرن الخامس عشر، وصولا إلى الاسكتلنديين والهولنديين الكالفينيين في القرن السادس عشر، والاسكتلنديين الأولستر والمستوطنين البيوريتانيين في نيو إنجلاند في القرن السابع عشر، وحتى الأفريكان البروتستانت بعد الرحلة الكبرى، بينما اتخذت مظهرا أكثر علمانية لدى الصهاينة في فلسطين خلال أوائل القرن العشرين. في هذه الحالات، كان السعي وراء الفضيلة الأخلاقية وترسيخ القداسة والروحانية، غالبا من خلال الانفصال وتطهير مجتمعاتهم، مدعوما بإيمان قوي بالعهد الجمعي وبالعناية الإلهية.
23
يوجد نوع آخر من أساطير الاختيار الإلهي، أكثر شيوعا وأقل تطلبا، يرى المجتمع مكلفا بمهمة مقدسة أو واجب مقدس، لكن دون وجود التزام مرتبط به سوى استمرار التمسك بالدين أو التقليد المحدد. توجد أنواع مختلفة من المهام مثل: الدفاع عن الأرض المقدسة، ورد الكفار إلى حظيرة الدين، وحماية الدين الحقيقي، أي العقيدة، ونشر «الحقيقة» والأخلاق، وأن يكونوا «نورا للأمم». هذا النوع من أساطير الاختيار التبشيرية كان بارزا بصفة خاصة في ممالك «حصن المسيحية» و«الجماعات العرقية»، على سبيل المثال، بين ملوك ونبلاء المجر وبولندا وكتالونيا، على حدود العالم المسيحي الكاثوليكي. إلا أننا نجده أيضا في ممالك عرقية كانت أقل عرضة للمخاطر - في إنجلترا، وفي فرنسا، وفي دوقية موسكو الروسية بعد تحررها من سيطرة التتار - ونجده في شكل أكثر علمانية في الدول القومية الحديثة نظيرة تلك الدول، إلى جانب سعيها إلى إدراك النجاح الاقتصادي، والقوة العسكرية، والشهرة الثقافية نسبيا. ولا يقتصر النوع التبشيري من أسطورة الانتخاب العرقي على التراثين اليهودي والمسيحي، فيمكن العثور على عناصر حس الاختيار الإلهي والإيمان بالتكليف بمهمة جماعية في الدولة الصفوية في القرن السادس عشر ، وفي مصر الحديثة مع حركتها الفرعونية، وفي اليابان من حركة «كوكوجاكو» في القرن الثامن عشر وحتى الحركة الرومانسية في القرن العشرين.
24 (3-2) الأوطان والمناظر الطبيعية الشاعرية
كما رأينا تتمثل إحدى العمليات الأساسية التي يقوم عليها تكون الأمم في عملية «الأقلمة»، ويقصد بها إقامة غالبية الجماعة في الوطن، وتكوين ذكريات جمعية ومشاعر الانتماء لأراض تاريخية تقع داخل حدود معترف بها. في هذه العملية، ينبثق «التوزع العرقي» من خلال تضامن «الجماعة العرقية» ومحيطها الطبيعي. وكما شرحت، فإن هذا يتحقق من خلال تطبيع التاريخ العرقي، وفيه يرى التاريخ كجزء من الطبيعة، ومن خلال تأريخ البيئة الطبيعية، بجعلها تبدو متأصلة في تاريخ الجماعة العرقية وتطورها. نتيجة لهذه العملية التبادلية، تبدو الجماعات العرقية، كما لو كانت «مغروسة» في «أوطانها» التاريخية، وبحسب وصف ستيفين جروسبي: «شعب له أرضه وأرض لها شعبها.»
صفحه نامشخص