بقي الكلام في أن المناسب بمقصد الاصولي هو تثليث الأقسام كما فعلنا وفاقا لشيخنا المرتضى ، أو تثنيتها كما اختارها صاحب الكفاية فجعل المكلف الملتفت على قسمين ؛ لأنه إما قاطع بالحكم الفعلي الظاهري أو الواقعي وإما شاك ، وأما الظن فإن كان من طريق معتبر فداخل في القطع وإلا فداخل في الشك ، والشك الذي يكون مجرى للأصل الشرعي أيضا داخل في القطع ؛ فإن هذا الشاك أيضا قاطع بالحكم الفعلي الظاهري ، فالشاك المقابل للقاطع عبارة عمن ليس له يقين بالواقع ولا ظن معتبر به ولا أصل من الاصول الشرعية ، ومرجعه إلى الظن لو تمت المقدمات وقلنا بالحكومة ، وإلا فإلى الاصول العقلية من البراءة والاحتياط والتخيير.
أقول : لا إشكال في إمكان تقسيم المكلف إلى أقسام كثيرة بحسب الحالات الطارئة عليه من القيام والقعود ونحوهما ، ويمكن جعله قسما واحدا بأن يقال إنه قاطع بوظيفته العملية أبدا وليس متحيرا فيها في وقت من الأوقات ولكن لا بد من مراعاة المناسبة للمقاصد المندرجة في الكتاب حتى يكون التقسيم بمنزلة الفهرست لها ، وحيث إن المطالب المجموعة في الكتاب الاصولي مطالب تفيد المستنبط فصار المناسب هو التثليث ؛ فإن المستنبط يرجع أولا إلى القطع ومع عدمه إلى الظنون المعتبرة ، ومع عدمها إلى الاستصحاب مقدما له على سائر الاصول لبرزخيته بين الأمارية والأصلية وتمحضها للثانية ، ومع عدمه إلى سائر الاصول العملية الشرعية ، ومع عدمها إلى الظن لو حصل له وقد تمت المقدمات على تقدير الحكومة ومع عدمه إلى الاصول العقلية من البراءة والاحتياط والتخيير.
فعلم أنه مع تثنية الأقسام أيضا لا بد من تقسيم القاطع إلى ثلاثة أقسام بأن يقال : إن قطعه بالحكم الفعلي إما حاصل من القطع بالحكم الواقعي وإما حاصل من الطريق المعتبر وإما من الأصل العملي ، فصار الأولى هو التثليث.
وكيف كان فبيان أحكام القطع وأقسامه يستدعي رسم امور :
الأول : هل القاطع بالحكم الواقعي يحتاج إلى جعل قطعه حجة أولا ، بل يجب
صفحه ۳۵۹