الموقف الثاني: موقف قلة من الناس؛ ذهبت إلى أن الله تعالى لا يعلم أفعال العباد حتى تقع. فقد علموا أن الجمع بين خلق الله لأفعال العباد، وبين تكليف الله للعباد أمر لا يعقل؛ ولكنهم لم يتخلصوا من تشبيه علم الله بالغيب بعلم الإنسان بالغيب، فنفوا العلم بالغيب.
الموقف الثالث: هو موقف أئمة أهل البيت عليهم السلام ومن نحا نحوهم من المعتزلة والإمامية؛ حيث قالوا إن الله يعلم الغيب، ولكن لكي يتطابق الواقع بعلم الله بالغيب لا يشترط أن يكون الله هو فاعل هذا الغيب كما هو الحال معنا؛ ويستحيل أن يكون الله خالق أفعال العباد، لأنه يتناقض مع كون الله كلف العباد. أما إدراك طبيعة هذا العلم فمما يخرج عن حدود الفكر الإنساني.
وهذا أعظم أسرار الكلام في أفعال العباد: كيف يعلم الله ما سنعمله، بغير أن يخلقه، أو يؤثر فيه؟
والجواب عليه: هو بالإمساك؛ لأننا لا نحيط بالله ولا بصفاته علما!! ذلكم هو سر الله، وذلكم هو البحر العميق؛ وليس السر والبحر العميق هو : كيف يظلم الله العباد؟!!
ثانيا: إن المعلوم قطعا أن الله تعالى كلف الخلق جميعا. وبعض الخلق الذين كلفهم لن يطيعوه، وسيموتون على عصيانهم. أي قد علم الله من حالهم أنهم لن يؤمنوا. فهل كلفهم الله تعالى بقلب علمه إلى جهل؟!
ثالثا: إن العلم كاشف للواقع كما هو، ولا يؤثر فيه. فعلم الله تعالى بما سأعمله لا يؤثر على ما سأعمله؛ هذا من جهة.
من جهة أخرى؛ إننا إذ نفعل ما علم أننا سنعمله؛ فإنما نفعله بقدرتنا، ونفعله باختيارنا.
صفحه ۸۹