والخلاف الذي وقع في هذه المسألة أن قال بعض المسلمين إن الله تعالى خالق أفعال العباد. وقد احتجوا بقول تعالى { والله خلقكم وما تعملون } (الصافات:96) وبقوله تعالى { الله خالق كل شيء } (الزمر:62). فقالوا إن مدلول هذه وغيرها من الآيات أنه تعالى خالق أفعالنا، وأننا لسنا فاعلين على الحقيقة، وإنما الفاعل هو الله. وأنه من أثبت خالقا للأفعال غير الله فقد أشرك وكفر!! وأن الأفعال لا تنسب إلى العباد إلا من حيث أنها وقعت فيهم، أي أنهم اكتسبوها. ثم فرعوا على هذا القول أقوالا نحو :
إن الله تعالى هو المضل وهو الهادي؛ أي لا يكون مؤمنا إلا من هداه الله للإيمان وأوصله إليه، ولا يكون فاسقا فاجرا ضالا إلا من أضله الله تعالى، وأغواه، وزين له المعصية، ومنعه من الهداية!! مستندين بذلك إلى مجموعة من الآيات المتشابهة التي تحتمل معان متعددة.
وسيظهر لنا في قسم الآيات المتشابهة التفسير الصحيح لهذه الآيات، ولكن قبل ذلك يجب أن نعلم إن أغلب آيات القرآن تحتمل معان متعددة، ولا بد من اختيار المعنى الذي يليق بجلال الله تعالى وحكمته. وهذه القاعدة هي معيار فهمنا لأي آية قرآنية أو حديث نبوي صحيح.
فكيف نقول إنه تعالى يخلق أفعالنا وينهانا عنها؟! وكيف يخلقها ويعاقب على فعلها؟! وكيف يخلقها وهو لا يحبها؟!
ثم هل من العدل والحكمة أن يعذب الله عبادا منعهم الهدى؟
وهل من الحكمة أن يرسل الله رسلا ليدعوا من قد منعهم الله الهدى؟!
وهل من العدل والحكمة أن يعذب الله عبادا قد أغواهم وأضلهم؟!
بمثل هذه الأسئلة سيظهر للمتأمل، الذي يسبح الله ويحمده، أن أفعال العباد ليست مقصودة بتلك الآيات؛ حتى وإن لم يعرف معناها الصحيح.
وقد ظنوا أن القول بأن العبد يخلق فعله، أو يحدث فعله؛ يقتضي وجود شريك لله تعالى في الخلق!!
صفحه ۸۵