وإنصافا لهم، نقول: إنهم لا يدعون إلى الجهل بالله، ولكن المعرفة عندهم هي أن نقف على نصوص التشبيه والتجسيم، من الأحاديث المكذوبة؛ أو أن نقف على تفسير المجسمة والجبرية للآيات، والأحاديث الصحيحة التي ذكرت صفاته عز وجل. فهذه هي المعرفة، أما أن نستعمل عقولنا في تأسيس معرفة بالله، ننزهه فيها عن صفات المخلوقين، فلا وألف لا!!
إن ذات الله تعالى لا يمكن أن يعرف
نعم إن حقيقة الله جل جلاله لا يعرفها الا الله تعالى { ولا يحيطون به علما } (طه:110)، أي الذات المقدس غير معلوم لنا، بل العلم بها مستحيل. فالمعلوم لنا منه تعالى هو إنه: ذات موصوف بصفات نفي وصفات إثبات. وليس ذلك نفس حقيقة ذاته، ولا خصوصياته. نعرف إن الله تعالى قادر وعالم وحي؛ ونعلم إنه ليس جسما ولا عرضا، ولا يجوز عليه أي شيء من خصائص الأجسام والأعراض؛ ولكننا لا نعلم الله.
الفرق بين معرفة ذات الله ومعرفة صفات الله
واعترافنا بالجهل بذات الإله، يدفعنا دائما إلى أن نؤكد الفرق بين معرفتنا بالله وبين معرفنا بصفات الله. فنحن وإن كنا نستعمل تعبير " معرفة الله " أحيانا، فالمقصود به "معرفة صفات الله تعالى"، لأن ذات الله تعالى لا تعرف، ولا تعلم.
ويتفرع عن هذا موضوع مهم، هو تأكيد التفريق بين أن نعبد الله أو نعبد الصفات. أن نعبد الله تعالى كما هو، أو أن نعبد المعلوم منه تعالى.
ذلك إن ما نعرفه إنما هي صفاته تعالى، أما ذاته تعالى فلا نعرفها ولا ندركها؛ ثم إن ما ندركه من صفاته تعالى لا شك وأنه سيحد لمحدودية عقولنا؛ فإذا عبدنا الله تعالى فعلينا أن نعرف أن ما نعبده هو الذات، الذي هو أعظم، وأكمل، وأجمل، من ما أحاطت به عقولنا من صفات الذات. وعلينا توجيه نياتنا في العبادة إلى الذات، وليس إلى ما علمناه من الذات.
وقد عبر أحد أئمة أهل البيت عليهم السلام عن قضية التمييز بين معرفة الذات ومعرفة الصفات أجمل تعبير حيث يقول:
صفحه ۲۷