وعلى كلا المرادين، فالمعرفة بالله واجبة؛ لأننا لا نستطيع أن ننفي استحقاق ما سوى الله للعبادة إلا بمعرفة معنى العبادة، وتحديد من يستحقها على الجملة، أي تحديد أنه لا يستحقها إلا من استجمع صفات الكمال، وتنزه عن صفات النقص، ثم نفي أن يكون شيء من المخلوقات مستحقا لها، ثم إثبات وجود من يستحقها، ثم معرفة أن لا يوجد إلا ذات واحد يستحقها، لا ينبغي بل يستحيل وجود ذات ثاني. هذا الذات هو الله تبارك وتعالى.
الدليل الثاني: إن العبادة لا تقوم الا بمعرفة الله
هذا الدليل يقوم على أساس الربط بين معرفة الله تعالى وبين الغاية الوحيدة التي تبررها العقول في هذه الحياة وهي: عبادة الواحد الأحد.
معنى العبودية لله عز وجل
ما هي علاقتنا بالله تعالى؟
إن حقيقة علاقتنا بالله تعالى هي علاقة العبودية { وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون(1) } (الذاريات:56). والعبودية هي مجموع من التحميد والتسبيح والتعظيم، والخضوع والذل والمحبة، والوله والشكر والخشية، والفقر والحاجة والتوكل، والاستسلام والرضا والدعاء.
وهذه العلاقة بالله تعالى ليس دليلها الآية فحسب، بل العقول شاهدة على ذلك.
1. فمن نظر في نفسه، وعجزه، ومحدودية وجوده؛ ثم علم بصفات الجلال والكمال لله سبحانه وتعالى، وعلم قدرالله عليه وعلمه به؛ وعلم عجزنا الكامل أمام إرداته تعالى فينا؛ وعلم انكشاف أمورنا بالكلية له جل جلاله؛ فلن يكون أمامه إلا طريق الخضوع، والذل، والاستسلام لله جل جلاله.
صفحه ۱۸