أما غيرها من مراتب المعرفة، فلا يحصل عليها إلا من أراد منها أن تحقق عبوديته لله تعالى؛ فليس المراد من المعرفة هنا مجرد حفظ المصطلحات، بل هي استقرار هذه المعاني في القلب بحيث نبدأ في معرفة الله معرفة يقينية. وإقرار هذه المعاني في القلب خوفا من العقوبة غير إقرارها فيه طلبا للعبودية. وهذه القضية تعود في الأصل إلى خلاف خلاصته هو:
هل نعبد الله تعالى شكرا له على ما أنعم ولأنه المستحق للعبودية(1)؟
أم نعبده تعالى خوفا من النار وطمعا في الجنة فحسب؟
نحن نقول إن الإنسان ينبغي أن يربي نفسه بحيث يعبد الله تعالى شكرا على ما أنعم، ثم لأنه مستحق للعبودية. ولذا فأكثر ما سأذكر من أدلة على وجوب معرفة الله تعالى منطلقة من كون الحكمة تدعو إلى معرفته تعالى.
الأدلة على وجوب معرفة الله تعالى
الدليل الأول: إن التقصير في معرفة الله تعالى يوجب العقوبة.
أما الدليل على ذلك فهو قوله تعالى { فاعلم أنه لا إله إلا الله } (محمد:19)، فدلت هذه الآية على وجوب معرفة الله تعالى بناءا على الآتي:
أوجب الله تعالى العلم بأن لا إله إلا هو. فمن قصر في هذه المعرفة فهو مقصر، آثم، عاص، مستحق للذم والعقاب. ولفظ الإله له أحد معنيين هما:
المعبود.
أو الذات المستجمع لصفات الكمال المنزه عن صفات النقص بأجمعها.
على المعنى الثاني للإله، فالآية صريحة في وجوب معرفة الله. أما على المعنى الأول، فنفي الألوهية عن سوى الله ليس بمعنى أنه لا توجد آلهة غير الله تعبد من قبل الناس، لأننا نعلم يقينا أن هناك من يعبد غير الله تعالى، بل المعنى هو نفي استحقاق أي آلهة سوى الله العبودية، وتثبيت أن المعبود بحق إنما هو الله.
صفحه ۱۷