وإذا أطلق الواجب على أفعال العباد، فالمعنى أنه ينبغي عليهم القيام به. أو المعنى يكون أن فاعل ذلك الفعل يستحق المدح والثواب، وأن تارك ذلك الفعل يستحق الذم وحده، أو الذم والعقاب معا.
فمثلا الصدق فعل واجب، لأن الحكمة تدعو إليه دعوة جازمة.
وطلب العلم فعل واجب، لأن الحكمة تدعو إليه دعوة جازمة.
وإقامة العدل بين الناس فعل واجب، لأن الحكمة تدعو إليه دعوة جازمة.
والاقرار بإحسان المحسن فعل واجب، لأن الحكمة تدعو إليه دعوة جازمة.
فهذه واجبات لأن الحكمة تدعو إليها جميعا. فمن قصر في أي منها استحق ذما، ومن قام بها استحق مدحا.
ومعرفة الله تعالى واجبة بهذا الاعتبار. فالحكمة تدعو إلى معرفة الله تعالى، وتحكم بقبح تركها.
وغالب الناس من ينظر إلى الواجب من حيث أنه الفعل الذي تركه فيه ضرر، بغير أن ينظر إلى المصالح الراجعة إلى الفاعل بسبب القيام بالفعل، أو المفاسد المترتبة بسبب ترك الفعل. فتصبح قيمة الصدق أنه جالب للمدح والثواب، وقيمة العلم كذلك ومثله بقية الواجبات. كذلك يصبح المانع من الكذب هو خوف العقاب، والمانع من الجهل هو ذم الناس ونحوه.
ومثلها معرفة الله تعالى، فالكثير ينظر إليها من خلال الخلاص من العقاب والحصول على الثواب. وهذا أمر جيد في نفسه، لا إنكار عليه على الاطلاق، ولكن نريد هنا لفت الانتباه إلى قيمة معرفة الله، بدون النظر إلى ثواب معرفة الله، أو عقاب الجهل بالله. نريد لفت الانتباه إليه من حيث أنه يوصل إلى مطلوبنا الرئيس، وهو: تحقيق العبودية الصحيحة فينا.
فإن من لم يسع إلى معرفة الله إلا لكونه يعاقب على تركها، ويثاب على فعلها، لن يحصل من مراتبها إلا على ما يقيه العقاب ويمنحه الثواب.
صفحه ۱۶