والدين القيم: فهو المستقيم الواصب، الثابت الدائم المتصل، وذلك قوله :{وله الدين واصبا} [النحل:52]. يريد منصبا متعبا. وهو التوحيد والخلصانية، التي لا تزول عن قلوب المتعبدين العارفين بالله المخلصين، بزوال سائر الشريعات التي تزول بزوال الاستطاعات، والعلل المانعات، عن القيام بالفروض الشرعيات.
ثم اعلم أن هذه الجملة هي أصل التوحيد، فكل ما ورد من الشرح والكلام فهو مردود إلى هذا الأصل، الذي أجمع عليه أهل القبلة، فما ورد عليك من فروع الكلام والشرح، يؤكد لك أصول دينك اعتقدته، ودنت الله به، وما ورد عليك مما ينقض الأصل تركته واعتزلته، فإن بذلك صحت المقالة لأهل الفرقة الناجية.
فالواجب على الطالب لنجاته حراسة الأصول من النقض لها بالتفسير، حتى لا ينقضها بالتفسير طول عمره مضطربا في عمارة التوحيد، برد الفرع إلى أصله حتى لا يضيف إلى معبوده، شيئا من صفات خلقه وعبيده، في كل فعل منه وذات، وفي كل صفة من الصفات، حتى تنزه القلوب والضمائر، وخواطر الأوهام والسرائر، فإن دقيق ذلك كله كجليله، والكثير من ذلك كقليله، فافهمه وتدبره تجده كذلك إن شاء الله.
تم ذلك بعون الله تعالى، وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.
صفحه ۳۶۱