ثانيا: (شكل أرقى) يتعلم الطفل أن هناك أغراضا أخرى أدوم حالا من اللذة الحاضرة أو الألم الحاضر، كحسن السمعة والعرفان وهلم جرا، مثل أن يقلع الطفل عن اللعب في المدرسة؛ لا تجنبا للعقاب ولكن للحلول من معلمه محلا عاليا.
ثالثا: (شكل أرقى من سابقه) يتعلم الطفل المقارنة بين قيم لذائذ مختلفة واختيار أرقاها مثل أن يقلع الطفل عن اللعب في المدرسة، لا تجنبا للعقاب ولا للحلول من معلمه محلا عاليا، ولكن لاعتقاده أن من الصواب أن يفعل ذلك.
رابعا: (أرق الأشكال) يتعلم الطفل أن ينزل عن لذته من أجل لذة غيره وسعادته، كأن ينصرف الطفل من تلقاء نفسه عن أن يلعب لعبا مبررا إذا هو وجد أنه ربما آذى به من كان أصغر منه سنا. من هنا كان كبح النفس شاملا خلة إنكار الذات، وهذه أما أن تكون: (1)
إنكارا للذات من أجل منفعة الذات، مثل أن ينزل رجل عن لذة من أجل أن يوفر مالا. (2)
إنكارا للذات من أجل الغير، مثل أن ينزل رجل عن لذة لا يأباها على نفسه لولا أنه يرعى بذلك حق زوجته أو بنيه أو رجال قومه أو نسائهم أو إخوانه في الوطن أو الدين أو المرفق. كذلك يشمل كبح النفس الشجاعة. قال الأستاذ مويرهد: «يقتضي للإنسان إذا هو أراد أن يتقي خادعات اللذة أن يتحمل ألم المقاومة الذي يترتب على ذلك.» (7) الصدق
هو الفضيلة التي تجعل ظاهر أقوالنا وكل أفعالنا وفاق الباطن والحقيقة، وهذه الفضيلة هي أساس كل تعامل اجتماعي وكل ارتقاء. وهي جوهرية لأداء الواجبات في مختلف العلاقات الحيوية، وإلا لم يستقم للثقة بين الناس ظل. أجل؛ فإنه يستحيل مع الكذب أن يستقيم للجماعات حال؛ إذ هو يقضي على ما للصدق من الإجلال في النفوس ذلك الإجلال الذي لا بد أن يشعر به كل فرد باعتبار أنه عضو في المجتمع.
من هنا كان الصدق ضروريا لولاة الأمر المديرين للحكومة ورجال الحياة العملية والاجتماعات وللأصدقاء وكل من لهم علاقة خاصة بالناس وللوالدين أو المعلمين والأطفال.
لذلك يجب على المعلم أن يغرس في نفوس الأطفال ضرورة هذه الفضيلة؛ إذ لا يكفي أن تكون لأقوالهم مظاهر الصدق وحدها.
ويجب أن نحرص على أن تكون أقوالنا معبرة عما نعتقد صدقه أو عما في نيتنا عمله، تعبيرا بينا قاطعا، فإذا تم ذلك فإنه يجب علينا أن نجعل أفعالنا التالية لها وفاقا لتلك الأقوال بقدر ما نستطيع. ولنذكر أن منشأ الكذب «نية الخداع» فكل مواربة يمكن أن تكون الألفاظ فيها صدقا بمعنى من المعاني وكاذبة بالنسبة للمعنى المراد؛ يجب تجنبها، وكذلك الأمر في المبالغة التي يعمد إليها للتأثير، فإنه يجب التحذير منها؛ لأنها وإن كانت مما يسر لها السامعون قد تضلهم وتخلط عليهم سبيل الفهم، ولكي يتم صدقنا يجب أن نعنى بكل ما أحدثنا في قلوبهم من أمل، سواء كان ذلك مباشرة أو بواسطة، كما يجب أن نعنى بكل وعد وعدنا به.
إن مبدأ الصدق هو أوضح المبادئ وأحدها، كما أنه لازم لزوما تاما، ولكن من الناس من يرى أنه قد يجوز في أحوال استثنائية أن يلجأ إلى الكذب اعتمادا على أن الغاية تشفع للوسيلة؛ أي رعيا للمصلحة، فيقولون إنه لا بأس بكذبة تنجي الإنسان من الموت وبإخلاف وعد قهر الإنسان على أن يعد به. احتجاجا بأنه ليس للسائل في الأولى حق أن يتطلب من المسئول النطق بالصدق أو ينتظره منه أو أن السائل في الثاني بما فعل قد أخرج نفسه من دائرة القانون الأدبي.
صفحه نامشخص