إن اعتياد الأطفال تعذيب الحيوانات وقتلها وذبحها يولد القسوة في قلوبهم حتى على إخوانهم. وأولئك الذين يجدون في تعذيب المخلوقات الدنيا وإبادتها لذة لأنفسهم ومسرة هم أبعد الناس عن تمثل خلة الرأفة بالناس والترفق على العباد.
ولأجل غرس الرأفة في القلوب يقول كانون دانيل بوجوب عناية المدرسة بإعطاء التلاميذ دروسا في تراكيب أجسام الحيوانات، وطرق معالجتها ولا سيما ما كان منها أليفا كالبقر والغنم والكلاب والقطاط وهلم جرا، وليعلم المعلم أن في زمان أفراخ الطير فرصة لإعطاء التلاميذ دروسا خاصة في حب الإنسانية، وكذلك الأمر قبيل الشتاء. وليذكر المعلم أيضا أن دروس المشاهدة والملاحظة العرضية خير من دروس تتلى في الفضيلة الأدبية. فلا يفته أن ينتفع بالأولى عند سنوحها ولا يفته أيضا أن يستثير لها كل عال من البواعث وسام من الدواعي؛ فإن حق الحيوان الأعجم علينا كحق الإنسان، وكلاهما من حق الله. (2) الشجاعة
كلمة الشجاعة في الأصل يراد بها استعداد الشخص ورضاه بتحمل الآلام الجسمانية أو المخاطر.
وقد كان يظن فيما مضى أن القلب مستقر الشجاعة حتى أثبت العلم غير ذلك، ولكن لا يزال يجري على الألسنة ما يفيد الرأي القديم، فيقال فلان شجاع القلب قوي الجنان، وغير ذلك.
أما وقد سارت المدنية بالعلم شوطا بعيدا فلم تعد الحاجة إلى القوة البدنية كبيرة، بل أصبح اللفظ يطلق للدلالة على معنى أشمل وأوسع، فيقال - مثلا: فلان شجاع الرأي؛ أي أن له من الشجاعة ما ينطق به عن آرائه بالرغم مما يجره عليه من أذى، ومعنى ذلك أن لفظة الشجاعة لم تصبح تدل على خلة التأهب والرضى بالآلام والمخاطر فحسب، بل آلام الفؤاد أيضا. ثم هي تشمل صفة استعداد المرء لأن يعمل عملا صالحا حقا وأن يخضع لأحكام القانون الأدبي ، بصرف النظر عن مغبة ذلك.
فاللفظ يشمل الصبار والتجلد، وهما في رأي لوق تملك الإنسان نفسه وهو هادئ وقيامه بواجبه غير مروع، بالرغم مما قد يترتب على عمله من الشر، وبالرغم مما قد يعرض له من المخاطر بسببه.
قلنا إن الشجاعة في رأي أرسطو هي وسط بين الجبن والتهور؛ إذ إن فقد الشجاعة يفضي إلى الجبن وهو الخوف من أمر لا ينبغي أن نخاف منه، وفرط الشجاعة يدفع إلى التهور أو الطيش وهو الإقدام على ما لا ينبغي الإقدام عليه، وكلاهما أمران يجب أن يتجنبهما الإنسان، وقال لوق إن التهور وقلة التأبه للخطر كالتفزع والانقباض لقرب كل شر هين، كلاهما غير مبرر. إنه لم يخلق الخوف فينا إلا ليكون باعثا على المسارعة في أعمالنا وعاصما من شر داهم، وعلى ذلك ففقدان الاعتداد بالضر الوشيك وعدم قدر الخطر حق قدره وإلقاء النفس في التهلكة من غير تدبر في عواقبها ولا اعتداد بنتائجها أو فوائدها؛ لا يعد من صحة العزم في مخلوق عاقل، وإنما هي تهور بهمي.
وقال أيضا إن مقت الشر فطري لا يخلو منه إنسان؛ إذ ليس الخوف إلا قلقا ناشئا من تصور مكروه مقبل، وعلى ذلك فإذا ألقى امرؤ نفسه في خطر فلا غرو إن قيل إنه سلك هذا المسلك مدفوعا بدافع الجهل أو مؤتمرا بعاطفة أرفع منه؛ إذ ليس في الأرض إنسان من العداوة لنفسه بحيث يغشى مواقع السوء بملكه ويتقبل التهلكة حبا فيها.
الخوف غريزي فإذا استعمل بحكمة (كالخوف من عاقبة الإساءة إلى المعلم أو كخشية العقاب) فهو نافع بل ضروري للنظام ولأمر الاحتفاظ بالنفس، أما الإفراط في الخوف فهو أذى يجب دفعه، وإلا أفضى بصاحبه إلى الجبن، وظاهر أن الإفراط في الخوف يشل الإرادة، وينجم عن ذلك فقدان الإنسان ثقته بنفسه وموت شعوره بمقدرتها.
قال لوق: «إنه لمنع الجبن من غشيان القلوب يجب:
صفحه نامشخص