12
والحب الجسدي هبة عشتار، هي «ربة العشق»، وهي «ملكة اللذة»، وهي «التي تحب المتعة والفرح»، وترتبط عبادتها بالعاهرات المقدسات المعروفات باسم «عشتاريتو» أي «العشتاريات» ... ولا يخضع البشر وحدهم لنزواتها بل الحيوان كذلك، ولقد استطاعت أن تطغى على اختصاصات غيرها من المعبودات في «سومر» و«أكد» و«آشور»، وهي زوجة لكبار الآلهة.
13
ويفسر «د. ميخائيل» مسألة العهر أو البغاء المقدس التي رافقت عبادة الزهرة بقوله: «وكانت عبادة عشتار تتطلب طبقة أخرى من النساء حول هيكلها، ينذرن أنفسهن لمطالبها ونزواتها؛ ومن ثم يطلق عليهن اسم عشتاريتو، وهن بنات الهوى ... «الحريماتي» ... وهناك كذلك طبقة المنذورات ... وهن من يقدمهن ساداتهن أو آباؤهن نذرا للمعبد للخدمة فيه.»
14
ولعله من الواضح البين أن هذا الطقس الذي تمجه أعرافنا وأذواقنا اليوم، إنما كان رمزا من رموز الخصب، يؤكد أهمية الجنس لإدامة الحياة وخلق مظاهرها المختلفة، وقد بقي هذا الطقس إلى عهد متأخر، فقد أسهب في ذكره المؤرخ اليوناني الرحالة «هيردوت» حوالي عام 500ق.م.
ونجد لدى الباحث «فراس السواح» تفسيرا أوضح قربا من واقع عقلية هذه العصور الغابرة، فيقول في معرض حديثه عن الإلهة الأم الكبرى، أو إلهة الجنس كعبادة عامة عرفتها أغلبية شعوب العالم القديم: «وهذه الإلهة إما أنها مخصبة ذاتيا دونما حاجة لقوة خارجية، كما هو الأمر في الميثولوجيا اليونانية، إذ أنجبت الأرض «جيا» إلها جديرا بها هو «أورانوس السماء» الذي غطاها تماما من جميع جهاتها، أو أنها بحاجة لقرين يساعدها على الإنجاب، وهذا الدور يؤديه إله السماء نفسه، حيث يقوم الإلهان بفعل القران الأول، الذي يقلده الأحياء منذ تلك الأيام: «أنا السماء وأنت الأرض» (هذا ما يهمس به العريس الهندوسي ليلة زواجه في أذن عروسه)؛ لهذا السبب فقد رافقت في أحيان كثيرة طقوس واحتفالات الإلهة الأم، ممارسات الجنس الجماعي، الذي من شأنه في هذه المناسبة المقدسة تحريض القوى الإخصابية الكامنة في الأرض، اعتمادا على مبدأ السحر التشاكلي، حيث الشبيه ينتج الشبيه.»
15
ونظن أن مسألة المنذورات قد جاءت في مرحلة متأخرة نسبيا وأكثر ارتقاء كنوع من التخصص الكهنوتي، بعد أن كانت هذه العبادة الداعرة. مسألة عامة ومتفشية بشكل وبائي حاد لدى عباد الزهرة، حتى اعتقد أن أفضل قربان يقدم للزهرة هو بكارة الأنثى، وفي هذا يقول «ول ديورانت»: «... ولم تكن التضحية بالبكارة في الهياكل عملا يتقرب به إلى عشتروت وحسب، بل كان فوق ذلك مشاركة لها في التهتك، الذي يرجى منه أن يوحي إلى الأرض إيحاء قويا لا تستطيع مقاومته، وأن يضمن تكاثر النبات والحيوان والإنسان.»
16
صفحه نامشخص