ارگانون جدید
الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة
ژانرها
(1) مهمة «القوة» البشرية وهدفها هو أن تولد وتحدث في جسم معطى طبيعة جديدة أو طبائع جديدة، أما مهمة «المعرفة» البشرية وهدفها فهو أن تكتشف في طبيعة معطاة «صورتها» أو تميزها الحقيقي أو طبيعتها المسببة لها أو المصدر الذي انبعثت منه إلى الوجود (فهذه هي أقرب الكلمات التي بحوزتي لوصف هذا الشيء الذي أتحدث عنه)، ويندرج تحت هاتين المهمتين الأوليتين مهمتان ثانويتان وأقل أهمية: تحت الأولى تندرج مهمة تحويل الأجسام العينية من شيء إلى آخر، ما أمكن ذلك، ويندرج تحت الثانية مهمة اكتشاف - في كل تكوين وحركة - العملية الكامنة والمستمرة المؤدية من العلة الفاعلة الملحوظة والعلة المادية الملحوظة إلى الصورة المسبغة، وبالمثل اكتشاف البنية الكامنة في الأجسام التي في حالة السكون وليست في حالة حركة. ••• (2) إن الحالة المؤسفة للعلم البشري اليوم واضحة حتى من خلال الأقوال الشائعة عنه، لقد صدق من قال: إن المعرفة الحقة هي معرفة العلل. ولا بأس أيضا من تقسيم هذه العلل إلى أربعة أنواع: المادية والصورية والفاعلة والغائية، غير أن النوع الأخير من هذه العلل - أي العلل الغائية - هو أبعد ما يكون عن الفائدة، والحق أنه يفسد العلوم إلا ما كان منها يتناول الأفعال البشرية. لقد انقطع أمل الناس في اكتشاف العلل الصورية، ولكن العلل الفاعلة والمادية (بالطريقة التي تبحث بها والآراء السائدة عنها، أي بمعزل عن العمليات الكامنة
latent processes
التي تفضي إلى «الصورة»
form ) هي شيء ضحل وسطحي ولا يكاد يسهم بأي شيء في العلم الأصيل والمنتج، لست ناسيا أنني أشرت سابقا إلى - وحذرت من - خطأ يقع فيه العقل البشري إذ يعزو إلى الصور الدور الأساسي في الوجود،
1
ولكن إذا كان في الطبيعة لا يوجد إلا الأجسام الفردة
2
التي تؤدي أفعالا فردية خالصة وفقا لقانون، ففي مجال العلم يعد هذا القانون نفسه (ودراسته واكتشافه وتفسيره) هو أساس كل من المعرفة والتطبيق العملي، إن هذا القانون وبنوده هو ما أعنيه بكلمة «صورة»
form ، مستخدما هذه اللفظة لأنها جارية ومألوفة. ••• (3) إذا اقتصرت معرفتك على علة وجود طبيعة ما (كالبياض أو الحرارة) كما هي قائمة في موضوعات محددة، فإن معرفتك العلمية غير مكتملة، وإذا اقتصرت قدرتك على إحداث نتيجة ما في بعض المواد القابلة لها فإن قدرتك أيضا غير مكتملة، وإذا لم تعرف غير العلة الفاعلة والعلة المادية سيكون بإمكانك الوصول إلى كشوف جديدة في المادة المماثلة بصفة عامة والمؤهلة لذلك من الأصل، ولكنك لن تطال الأغوار القصية للأشياء؛ ذلك أن العلل متنوعة ولا تعدو أن تكون حاملات وليس بقدرتها نقل الصور إلا في بعض الحالات، أما إذا عرفت الصور فسوف تفهم وحدة الطبيعة فيما يبدو من المواد شديدة التباين، ومن ثم ستكون قادرا على أن تكتشف وتحدث أشياء لم تحدث من قبل على الإطلاق، ولم تحدث مثلها تقلبات الطبيعة ولا الجهود التجريبية ولا حتى المصادفة، ولم تكن لتخطر أبدا على عقل البشر؛ اكتشاف الصور - إذن - يفضي إلى الفكر الحق والممارسة الحرة. ••• (4) رغم أن طريقي القوة والمعرفة البشريتين متوازيان ومتماهيان تقريبا، إلا أنه بسبب العادة الموبقة والمتأصلة - عادة الانغماس في التجريدات - فإن من الأسلم جدا أن نقيم العلوم منذ البداية على أسس ذات توجه عملي، وأن ندع التوجه العملي نفسه يؤطر الجانب النظري ويحدده، ومن ثم فإذا أردنا خلق طبيعة معينة أو إحداثها في جسم معطى فإن علينا أن ننظر أي نوع من التعليمات يلزمنا وأي نوع من القواعد والإرشادات، وأن نضع هذه بلغة بسيطة لا غموض فيها ولا تعقيد.
هب أن لديك فضة وأنت تريد أن تسبغ عليها صفرة الذهب أو زيادة في الوزن (مراعيا قوانين المادة)، أو أن لديك حجرا معتما تريد أن تجعله شفافا، أو أنك تريد أن تسبغ القوة على الزجاج، أو النماء على ما ليس نباتا، أقول: إن علينا أن ننظر أي نوع من القواعد أو الإرشادات تفضلها؛ أولا: أنت - بلا شك - ستريد أن نقدم لك شيئا ناجعا في النتيجة وغير مخيب في التجربة، ثانيا: ستود أن نصف لك شيئا لا يجبرك ولا يقصرك على طرائق أو وسائل معينة من الأداء، إذ ربما لا تحوز هذه الوسائل ولا يتسنى لك تدبيرها، أما إذا كان ثمة طرائق أو مناهج أخرى (غير ما نصفه) لإنتاج هذه الطبيعة فربما ستكون في حوزتك ولكنها ستكون هدرا غير مستخدم بسبب ضيق القاعدة، وستحرم من جني أي نتيجة، ثالثا: ستود أن يقدم لك شيء ليس في صعوبة العلمية التي تريد أن تجريها ولكنه أقرب إلى ما هو عملي.
صفحه نامشخص