ارگانون جدید
الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة
ژانرها
وهكذا سبيل الخرافة، سواء في التنجيم أو في تفسير الأحلام أو الفأل أو ما شابه، حيث تجد الناس - وقد استهوتهم هذه الضلالات - يلتفتون إلى الأحداث التي تتفق معها، أما الأحداث التي لا تتفق - رغم أنها الأكثر والأغلب - فيغفلونها ويغضون عنها الطرف، على أن هذا الأذى يتسلل بطريقة أشد خفاء ودقة إلى داخل الفلسفة والعلوم، حيث يفرض الحكم الأول لونه على ما يأتي بعده، ويحمله على الإذعان له والانسجام معه، ولو كان الجديد أفضل وأصوب بما لا يقاس، وفضلا عن ذلك - وبغض النظر عن ذلك الهوى والضلال الذي ذكرت - فإن من الأخطاء التي تسم الفكر الإنساني في كل زمان أنه مغرم ومولع بالشواهد الموجبة أكثر من الشواهد السالبة،
17
حيث ينبغي أن يقف من الاثنين على حياد. والحق أنه في عملية البرهنة على أي مبدأ صحيح يكون المثال السلبي هو أقوى المثالين وأكثرهما وجاهة وفعالية. ••• (47) إن أكثر ما يشغف الفهم البشري هو تلك الأشياء التي تلفت العقل وتنفذ إليه فورا وفجأة، فتجعل المخيلة تمتلئ للتو وتتمدد، ثم يتراءى له (أي الفهم) ويفترض أن كل شيء آخر هو بطريقة ما - وإن تكن خفية غير مدركة - شبيه بتلك الأشياء القليلة التي استحوذت على العقل، أما في الترحال إلى أمثلة بعيدة وغير متجانسة تختبر المبادئ اختبار النار فإن الفكر بطيء جدا وغير مؤهل ما لم تحمله على ذلك قواعد قاسية وسلطة نافذة. ••• (48) إن الفهم البشري في نشاط دائب، ولا يمكنه أن يتوقف أو يستكن، وما يزال يبتغي المضي قدما وإن كان ذلك بغير جدوى؛ ولذا فمن غير المتصور أن يكون هناك حد ما للعالم أو نقطة نهاية؛ إذ يبدو لنا دائما - بما يشبه الضرورة - أن هناك شيئا ما وراء ذلك الحد أو النهاية، ولا هو من المتصور أيضا كيف تدفقت الأبدية نزلا إلى يومنا هذا؛ لأن هذا التحديد المتفق عليه للانهاية في الماضي واللانهاية في المستقبل لا يمكن أن يصمد، إذ سيترتب أن هناك لا نهاية أكبر من لا نهاية أخرى، وأن اللانهائية تتآكل وتؤول إلى نهائية، وثمة نفس الصعوبة فيما يتعلق بقابلية الخطوط للانقسام إلى ما لا نهاية، والناجمة عن انفلات فكرنا وعجزه عن التوقف،
18
على أن هذا الانفلات من جانب العقل يكون أكثر إيذاء في عملية اكتشاف العلل، فعلى الرغم من أن المبادئ الأكثر عمومية في الطبيعة ينبغي أن تكون وقائع خاما هي كما وجدت عليه ولا يمكن أن تحال حقا إلى علة، إلا أن الفهم البشري في عجزه عن التوقف ما يزال يتلمس شيئا ما سابقا في نظام الطبيعة، ثم هو في غمرة جهاده في المضي إلى ما هو أبعد إذا به يرتد إلى ما هو أقرب مأخذا، أعني إلى العلل الغائية،
19
تلك التي تمت بالصلة إلى طبيعة الإنسان أكثر مما تمت إلى طبيعة العالم، وهي من جراء هذا المنشأ قد أفسدت الفلسفة على نحو عجيب، على أن الفيلسوف الذي يلتمس العلل في العموميات القصوى ليس أقل خرقا وسطحية من ذلك الذي يتوانى عن التماسها في الأشياء التابعة والفرعية. ••• (49) الفهم الإنساني ليس مجبولا من ضياء صرف،
20
وإنما هو مشرب بالإرادة والعواطف،
21
صفحه نامشخص