ومن ذلك يظهر أنه من أول يوم من أيام الفتح الإسلامي بدأ في جسم السلطة المسيحية في الشرق نوع جديد من الانحلال فيها كان يلجأ إليه كل مستاء منها. وكان هذا الالتجاء أحيانا للانتصاف من ظلم، وأحيانا للفرار من حق كما صنع أرميا هنا.
الفصل الحادي والعشرون
في قبر المسيح
وبعد صلاة الظهر استدعى الإمام عمر رسول البطريرك. فأتي إليه بإيليا، وكان إيليا حينئذ كاسف البال لحادثة أستير. فقال له عمر: يا ذا الشاب، دلنا على قبر عيسى - عليه السلام - وادخل معنا إليه؛ لتكون دليلنا فيه. فامتثل إيليا لأمر أمير العرب، وسار به وبنخبة من رجاله قاصدا كنيسة القيامة.
ولما بلغوا باب الكنيسة، وقف عمر، وقال: الفاتحة أيها المؤمنون على ذكر سيدنا عيسى. فخشع المسلمون ووقفوا يقرءون الفاتحة قبل دخولهم الباب. فعجب إيليا والقس رفيقه من ذلك الخشوع في صلاتهم.
ثم دخلوا الكنيسة حتى أتوا قبر المسيح.
فلما وقف عمر أمام القبر جمد في مكانه، وجمد المسلمون وراءه، وأخذوا يحدقون بالغرفة المحيطة بالقبر. ثم طلب عمر الدخول إلى الغرفة للتسليم على«روح الله» فدخل إليها مع رجاله، ولما صار رئيس الإسلام المنظور في ذلك المكان الهادئ الكريم المحاط بالإكرام من كل جانب؛ لأنه ضم يوما جسم رئيس المسيحية الغير المنظور دبت قشعريرة شديدة في نفوس الحاضرين، وتحركت قلوبهم للصلاة في ذلك المكان، ولما فطن عمر إلى غرضهم تذكر طلب البطريرك فأسرع وقال: الفاتحة أيها المؤمنون، فقرءوا الفاتحة ثانية على قبر المسيح بدل الصلاة، وبعد ذلك استلم
1
كل واحد منهم البلاط الرخامي الذي على القبر ومسح وجهه وخرجوا، ولما صاروا بجانب باب الكنيسة الخارجي طاوع الإمام نفسه حينئذ على الصلاة، فقال: الصلاة أيها المؤمنون؛ ففرشوا أرديتهم على الأرض، وركعوا وراء الإمام، وصلوا هناك صلاة طويلة بخشوع يحق لجميع الأمم أن يحسدهم عليه. وهذا المكان هو الذي أقام فيه المسلمون بعد ذلك مسجدا تذكارا لصلاة الإمام هذه * وبذلك سوى الإمام العادل بين الفريقين.
2
صفحه نامشخص