فأجاب البطريرك وهو يفرك أنفه بمنديل أسود لتدفئته: أيها الشاب، إن إرسال الفتاة إلى بيت لحم حيث نحن موجودون أصون لها من إرسالها إلى المدينة وحدها.
فعلم إيليا أن حيلته لم تجد نفعا، فلم يبق له إلا مصارعة الحقيقة وجها لوجه. فقال للبطريرك بصوت يرتجف: وإن ظهر هناك للشعب يا مولاي أن الابنة ليست بوثنية؟
فأجاب البطريرك متضجرا: فلتكن مسيحية فإن هذا يسر كل واحد منا.
فقال إيليا: وإن لم تكن مسيحية؟
فهنا بهت البطريرك وحدق في إيليا. ثم راجع نفسه فتظاهر بأنه لم يفهم كلام إيليا. فقال له: اركب يا ولدي اركب، وسنتباحث في هذه الأمور هناك.
فحينئذ تنفس إيليا الصعداء، ورجع باسما نحو الشيخ والفتاة؛ لأنه قرأ في عيني البطريرك ما يريد معرفته.
وفي ذلك الحين تحرك الموكب تتقدمه وتتلوه الجموع والجنود والمصابيح والرهبان، وإيليا والشيخ والفتاة على مطاياهم في المقدمة، والناس ينشدون حولهم نشيد العماد المشهور مشيرين إلى الفتاة وطالبين تعميدها:
باعتمادك يا رب في نهر الأردن، ظهرت السجدة للثالوث، وصوت الآب تقدم لك بالشهادة مناديا إياك ابنا محبوبا، والروح كهيئة حمامة يؤكد تجسيد الكلمة، فيا من أنقذت العالم من الخطيئة يا رب المجد لك.
وما زالوا بهذا النشيد والهتاف والضحك حتى وصلوا إلى بيت لحم فدوت البلدة من جهاتها الأربع، وانضم المجتمعون فيها إلى القادمين، ودخلوا بالبطريرك وإيليا والشيخ والفتاة على نغم هذا النشيد المشهور:
أوصنا في الأعالي. مبارك الآتي باسم الرب. أوصنا في الأعالي.
صفحه نامشخص