لم يكن السجن بدعا، وإنما هو قديم قدم الإنسان الأول، واليقين الذي لا شكّ فيه أن مؤسسة السجن هي من أولى المؤسسات التي ابتدعها الإنسان، ولا يتّفق الإسلام مع غيره من الأنظمة التي أخذت بنظام السجون إلا بالاسم فلم يكن السجن في الإسلام أداة قهر وتعذيب، ولا انتقام وتدمير بل هو أقرب ما يكون إلى المدرسة الاجتماعية، والمؤسسة الأخلاقية منه إلى السجن بل إننا نستطيع القول: إن السجن في النظام الإسلامي-أعني النظام الذي قام على شريعة الله تعالى، وسنّة نبيّه ﷺ-لم يكن سوى مستشفى للأمراض النفسية والعصبية والفكرية والسلوكية.
وقد أوجد المسلمون دستورا لنظام الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي لا نجده في أرقى دول العالم، كتب عمر بن عبد العزيز لأمراء الأجناد:
«وانظر من في السجون ممّن قام عليه الحقّ، فلا تحبسنّه حتى تقيمه عليه، ومن أشكل أمره فاكتب إليّ فيه، واستوثق من أهل الدّعارات، فإن الحبس لهم نكال، ولا تعدّ في العقوبة، وتعاهد مريضهم ممّن لا أحد له ولا مال وإذا حبست قوما في دين فلا تجمع بينهم وبين أهل الدّعارات. . . .
وانظر من تجعل على حبسك ممّن تثق به، ومن لا يرتشي، فإنّ من ارتشى صنع ما أمر به» (١).
هذا هو النهج الذي خطّه عمر بن عبد العزيز، والذي ذكره دائما في
_________
= (٣٦٢٨) في الأقضية، باب في الحبس في الدين وغيره، والنسائي ٧/ ٣١٦ في البيوع، باب مطل الغني، وابن ماجه (٢٤٢٧) في الصدقات، باب الحبس في الدّين. قال ابن الأثير في «جامع الأصول» ٤/ ٤٥٥: اللّيّ: المطل، والواجد القادر المليء، «يحل عرضه»: أي يجوز لصاحب الدين أن يعيبه، ويصفه بسوء القضاء، والمراد بالعرض: نفس الإنسان، و«عقوبته»: حبسه.
(١) طبقات ابن سعد ٥/ ٣٥٦.
1 / 8