ولقد سئل الشيخ عيسى الأسدي عن ترتيب الحمل لجميع الضواري، فقال له: إن كيف حمل البازي غير حمل الضواري، وإن يد حامل البازي تكون مثل الميزان. وذلك أن يكون راس البازي مقابل أذن الحمال، وأن تكون يده خارجة عن جسده بحيث لا يصل إلى البازي شيء من كتف الحمال، بل يكون كأن في جنبه دمل وأن في سائر أحواله لا يغفل عن بازه، ولا يحط يده إلى الأرض ليأخذ شيئًا، فإن أمن ذلك فلا يعطي الحاجة إلا من خلفه، ولا يقف على يساره أحد من الناس، ولا يمشي مع أحد إلا أن يكون الباز على يسار من يماشيه، ولا يغفل عن البازي من كلب يأتيه من ورائه، وهو لا يعلم ولا ينقله من يد إلى يد إلا بطعم إلا ساعة الصيد في تلك الساعة وإذا سلمه إلى الذي يتصيد به، وهو راجل والذي يتصيد به راكب فحسن، ولا يسلم الباز إلا على هذه الصورة، ولهم في ذلك طرق معروفة، وإذا أفرغ من الطعم أمض به إلى الماء إلى أصلح الأماكن وأطيبها، فإن لم ينزل الماء وإلا ارم في الماء حصى صغارًا، بحيث تحرك الماء حتى يراه، فإن ذلك يطيب للبازي والبازي يحب القعود في الماء، فإذا شرب وخرج فخذه ٤٠ أإلى يدك فإنه غير محتاج إلى الماء، وإن كان يستحم فلا تقربه إلى أن يخرج عن الماء بنفسه، ثم أقم له يدك ليطلع عليها، واحمله عن الماء خطوات ثم شده على القفاز، واجلس قريبًا منه حتى تعلم أنه قد نشف وتمشق وتدهن وتنفض، ولم تره يولع بجسمه، فخذه على يدك وسر حيث شئت، ولا يكلف حمال الباشق في الحمل إلى ما كلف حمال البازي في أن يجعل يده معلقة عن جنبه بل يكون عكسه لاصقًا بجنبه، ويكون جنب الباشق إليه، وأن يقوم يده بحيث أنها تكون قائمة في جنبه كأنها مخلوقة لذلك. وأنه متى ما وثب باشقة يلين يده مع وثبة الباشق قليلًا ثم يدير يده إلى ورائه بمقدار ما يحسن الباشق، فإنه يرجع، والباز كذلك إلا أنه يشد يده بمقدار قوة الباز ولا يجاذب الباز، فإن ذلك وبالًا عليه، وليس من طبع البازي ذلك ولا غيره.
ولكن منها ما هو أقوى في الجذب، وليس في ظهره قوة الرجوع، وهذا طبع الشاهين والصقر، وذلك من رخاوة ظهره وقصر رجليه وطول جناحيه، وليس أصفر العين كذلك، ولا يجوز أن يرد هذا رد الباز ولا يرد البازي رد هذا.
باب ما يشد عليه البازي في السفر وما يشد عليه في الحضر
قال أصحاب التجربة: إن البازي لا يصلح له من الأشياء إلا القفاز، وهو مما استقرحه العجم، ولم يكن للبازي غيره، وأما في الحضر فإنه لا يصلح له ذلك إلا في الأوقات التي يشد فيها على الماء وأما ما يشد عليه الصقر والشاهين في السفر الموقع، ومتى ما شدّ الباز على الموقع تكسر ريش ذنبه وهلك وتغير تفريسه. وفي البيوت تصلح للباز الكندرة، وقد تقدم ذكرها وتربيتها وقياسها، وأن يكون عن الأرض ارتفاع ذراع وأطول وتسمى الكندرة المشمسة، وفي العراق يقال لها: الهردي، وللعّاب اصطلاحات في بناء الكنادر في البيوت، يطول الكلام عليها، ولا فائدة في ذكرها إذ قد علمت.
قال محمد بن منكلي، ستره الله: ولا ينبغي أن تحمل الضواري وحاملها جنب ولا سكران، فإنه إذا سكر ربما صاح في وجهها فأفسدها، ولا يصلح للبازيار شرب المسكر ولا لغيره والمجنون مثاب، وصاحب الشراب مأثوم، نسأل الله الحفظ، ولا يجامع بحضرتها وهي تراه، فلعله يحدث عندها شيء، ولعله قد ذكر النهي عن ذلك في كتب القدماء من حيث الخاصية لا من حيث الضوابط الشرعية، وسوف أكشف عن ذلك كشفًا شافيًا إن شاء الله تعالى.
وأما الذي تقتضيه الضوابط الشرعية أن النهي ورد بكراهة ذكاة الجنب، وأيضًا ذكر العلماء أنه ينبغي للجنب إذا أكل ولابد فإن يغسل فمه. أما الجواز فلا نزاع فيه.
حدثني بعض العلماء أن والده خرج من بيته لشراء حاجة موجودة من دكان العطار، فقيل له ما هي عندي، فتوجه إلى غيره، فقال كالأول، فجاء إلى ثالث، فقال: كالثاني، فجاء إلى رابع، فقال كذلك، فقال: سبحان الله هذه الحاجة موجودة ولا قيمة لها، فكيف هذا الأمر، فرجع واغتسل وخرج فطلبها فوجدها عند بعض من قال له من تلك العطارين. فقال العطار: أنت قلت من ساعة ما هي عندي.
فقال له: لعلك كنت جنبًا، قال: نعم، وهذه حكاية غريبة.
1 / 40