واعلم أنه وحش يظنك عدوًا فلا يؤخذ إلا باللطف والمداراة.
واعلم أن إجابة الوحش كإجابة البازي سواء، فإذا أمن ومشى إلى الطعم وهو غير خائف، أطعمه ثلاثة أيام قائمًا بحيث يتكلف رفع صدره ورأسه إلى القصعة وكل ذلك وهو لا ينظر إلى وجهك إذا خاف منه.
ثم تجعل له بعد ذلك دكة يكون ارتفاعها ذراع ونصف وتضع فوقها القطيفة التي ينام عليها والكساء الذي ينام عليه، ويجلس الذي يريد أن يطعمه خلف تلك الدكة، ويربط قصعة الطعم بخيط مرس، ويأخذ المرس بيده ويحرك تلك القصعة بالطعم، فإذا طلع إليه أي الدكة قطع عليه الطعم وأطعمه من خلفه مرة مرة، كل مرة لقمة واحدة من تحت إبطه ورقبة الفهد تحت جناحه الأيمن.
فإذا كان اليوم الثاني رفع له الدكة نصف ذراع حتى يكمل ارتفاعها ذراعين ويفعل كذلك في اليوم الثالث إلى أن يرفع له ثلاثة أذرع.
ولا يزال يطعمه على ذلك ستة أيام إلى أن يجيء إلى المرس من غير إنكار، فإذا كان اليوم السابع عمد إلى فرس وطي وشد عليه وجعل الرفادة كما يعلم، وألبسه ذلك الكساء أي لبس الفرس بحيث لا ينظر إلى هيئة الفرس، ثم يركب الصياد ويأخذ المرس بيده ويجعل القصعة على الرفادة من خلف ظهره ويحركها ليسمع الفهد صوت حلق القصعة ويجذب المرس بيده اليمنى من غير عنت إلى أن يطلع الفهد على ظهر الفرس فيعمد إلى القيد الذي برجليه ويديه ويفصل بعضه عن بعض بحيث يعود مثل شكال الفرس ثم يحرك الفرس فيمشي ويلازمه رجلان، أحدهما خلف ذنب الفهد ومؤخر الشكال، ولزم رجل آخر بمقدوم الشكال، والفرس ماش خطوات والفهد يأكل إلى أن يفرغ، فإذا فرغ مشى به خطوات وأطعم بعد ذلك.
فإذا كان اليوم الثالث يركب ويمشي به بعد أن يطعمه لقمة أو لقمتين نصف ميدان، وإن تلعثم عليه وأنكر طعمه وهو يسير عليه، ولا يزال دأبه إلى أن يركب ويسير به نصف فرسخ ثم يطعمه بعد ذلك ثم يحطه إذا أمنه ويخلى عنه من يلازمه ليريضه، واليوم الثاني كذلك والثالث كذلك واليوم الرابع يخليه مائة خطوة ويدعوه إلى ظهر الفرس ويركبه ويكون طعمه بعد انقضاء سيره حتى يكون مشتغلًا أبدًا بانتظار الطعم ولا يزال يفعل به ذلك إلى أن يثق منه الذي يريد.
ثم يكسر له كسيرة ويجتهد في أن يكون غزالًا لطيفًا، فإذا صاد الفهد الغزال فليأت الغزال من قبل وجهه رويدًا رويدًا وهو يكلمه إلى أن يقبض رجلي الغزال ثم يركب على ظهر الفهد كما يعلم ويذبح الغزال من غير أن يقاوي الفهد في منازعته إياه على عادة المعلمين.
قال محمد بن منكلي، غفر الله له: وينبغي للفهّاد أن يعرف معادن الفهود فإن كل جهة لفهودها أخلاق زعرة، وأقل من ذلك، وهذا في حق الفهاد ضروري ولعل مثل هذا لا يخفى على العارف.
باب ذكر معادن الفهود وأجناسها وألوانها
فالفهد موجود في أكثر الأراضي إلا بلاد الروم وبلاد العجم لقوة البرد، ويل لم يكثر بها غزال.
وقال أهل المعرفة: إن الفهود لا توجد إلا في الإقليم الغربي ثم القبلي والشرقي، فالغربي مما يلي بلاد المغرب، والقبلي مما يلي الحجاز إلى اليمن وما يليها إلى بلاد العراق، والشرقي مما يلي بلاد الهند إلى بلاد تبت.
وأما الإقليم الذي يعدم فيه هذا الجنس فهو إقليم الشمال مما يلي بلاد العجم إلى بلاد الترك إلى بلاد الكرج. قال ذلك الأستاذ أبو الروح عيسى الأسدي وكان عالمًا بأمور الصيد متبصرًا ﵀، وكان في زمن الأيوبية في سني شيء وخمسمائة، رأيت ذلك مؤرخًا.
وذكر عيسى الأسدي أن في بلاد العجم بلاد واسعة تعرف عندهم بالعراق، وهي قليلة البرد والثلوج، فيها غزال كثير وفهود.
قال أهل الخبرة: إن فهود سماوة هي خير الفهود في صيد الحلقة، والمصريات خير منها إلا أنها هي أحسن شعرة من المصريات، والمصريات أنبل وأطول ولكنها تصيد الأدمي والسماويات ملاح المنظر جدًا وأكثرها بيض، قليلات النقط، وهي خفيفات الأجسام طويلات العظام. وذكر هذا الجنس خير من أنثاه، والأنثى أحسن شيء يكون ولا تمل من العدو أي الجري، ولعل منها ما يعدو يومًا كاملًا، وهي أيضًا طويلة الظهور طويلة الأذناب كأن رقابها لعب إذا تجلت، وكأن ظهورها حيات إذا تولت، وكأن أذنابها رماح إذا ارتفعت، وهذا الجنس أحسن الفهود وأنفعها وأحمدها.
1 / 21