135

Unnamed Book

دروس للشيخ صالح بن حميد

ژانرها

الأسلوب الأمثل في النصح والتوجيه السؤال يرى بعض المربين والمهتمين في أمور الشباب والطلاب نفورًا وإعراضًا عن قبول النصح والتوجيه خصوصًا في سن المراهقة، فما هو الأسلوب الأفضل الذي ترونه في الطريقة الجدية والمؤثرة حتى تكون النتيجة طيبة ومثمرة؟ الجواب أولًا: يجب أن يعلم الناصح والمعلم والمبلغ ورجل الدعوة أن مهمته هي البلاغ، أما التوفيق فبيد الله، لست مسئولًا عن هداية الناس، لا تفترض أنك إذا قلت لفلان أو نصحت فلانًا أنه غدًا يصبح من الأولياء، وتراه في المحراب، فهذه ليست مهمتك، وهذا إلى الله ﷿، فإذا كان أنبياء الله ﷿ ومنهم سيدنا محمد ﷺ قال له الله ﷿: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ﴾ [الشورى:٤٨]. وأخبر النبي ﷺ عن يوم القيامة أن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، وهو نبي مؤيد بالمعجزات ومعصوم من الله ﷿ فيما يبلغه عن الله، ومع هذا فالتوفيق بيد الله، ولهذا لا تفترض إذا دعوت أنه سيستجاب لك، أو أنك إذا نصحت أن ينكف الناس عما نهيتهم عنه، فالمطلوب هو إشاعة المعروف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما الامتثال فبيد الله. ثم أيضًا: إذا رأيت هذا الإعراض من الناس، فلعلك تبدأ بمحاسبة نفسك قبل أن تحاسب الآخرين، قد يكون عندك استكبار، قد يكون عندك استعلاء، قد يكون عندك احتقار لصاحب المنكر، أي: أنك أعجبت بنفسك أنك من الصالحين، وأنك من الذين عصمهم الله ووقاهم، إذا دخل في نفسك شيء من الإعجاب أو العجب، وكذلك رأيت نوعًا من الاستعلاء أو نوعًا من التحقير لهذا الواقع في المعصية، فهذا يؤثر كثيرًا على العمل وعلى النتيجة، إنما حقك أن ترى الناس كأنهم في نار، وأنت تنقذ إنقاذًا بشفقة كما يفعل الأب مع أولاده والأم مع أولادها، لا أن تنظر إلى الناس باستعلاء ومقت، وكما في الحديث الذي يقول: ﴿والله لا يغفر الله لفلان -قالها حينما رأى رجلًا على معصية مرة أو مرتين أو ثلاثًا فقال: والله لا يغفر الله لفلان- قال الله: من ذا الذي يتألى عليَّ! قد غفرت له وأحبطت عملك﴾. فمحاسبة النفس في هذا الباب مهمة جدًا، فالمهم أن تعلم أن مهمتك هي البلاغ والتوجيه، وإذا استدعى الأمر عقوبة أو زجرًا، إن كنت من أهلها، كما لو كان ولدك مثلًا، ويؤثر فيه الأدب، أو كان من إخوانك، أو ممن لك عليهم يد، وترى أن القوة تنفع فيهم، فهذا شيء آخر، وهذا يختلف باختلاف أساليب التوجيه والنصح وإنكار المنكر. وإن كان ضرره مستفحلًا، واحتاج الأمر إلى الرفع به إلى الجهات المسئولة، فهذا أيضًا بابه معروف، هذا من ناحية. والأمر الثاني: الرفق في المناصحة، ولا بد من الرفق وعدم العنف، وألا تشعر الواقع في المعصية أنك اكتشفته، وأنك قد تحايلت عليه، وأنك أتيت بما لم تأت به الأوائل، فهذا وقعه شديد؛ لأن الإنسان إذا وقع في معصية شعر بشيء من تأنيب الضمير، ويخجل إذا اكتشفته، فينبغي أن تشعره بأن الأمر ليس بهذه الصورة التي يشعر بها، فإذا صاحب ذلك عنف منك حصل انفجار. ثم أيضًا الحالة المسئول عنها وهي حالة المراهق، المراهق غالبًا إدراكه غير سوي، وفكره غير ناضج كما هو معلوم، عنده عنف وعناد وطموح، وعنده عدم استجابة وتطلعات واحتقار، وغالبًا المراهق يحتقر غيره حتى ينضج؛ ولهذا تلاحظون فرقًا بين من عمره ما بين الرابعة عشرة إلى الثانية والعشرين أو ما حول ذلك، وبين من هو في الخامسة والثلاثين والثلاثين تجده ناضجًا، ويحسن الجواب والسؤال والتعامل مع الآخرين، بينما ذلك قد يكون عنده شيء من الجفاء أو الجفوة أو نوع من العنف. فإذًا ينبغي أن تنظر في كل حالة على حسب واقعها أو طبيعتها أو نوع الخطأ الذي ارتكبه، قد تكون الأخطاء متفاوتة، منها ما هو كبيرة من كبائر الذنوب، ومنها ما هو دون ذلك، فلكل حالة معالجتها. وأيضًا يختلف حسب علاقتك بالشخص، إذا كان من أقاربك أو من معارفك، غالبًا يكون هو أكثر خجلًا، ولهذا ينبغي أن تكون رفيقًا جدًا، وإذا كان بعيدًا أو واحدًا من المسلمين الذين صلتك بهم ضعيفة أو لا تكاد تعرفهم، ووجدته على منكر أو على خطأ، فالمعالجة تختلف. فينبغي ملاحظة هذا، ثم أيضًا ذكر المحاسن وفتح باب آمال التوبة وفتح باب آمال أن الإنسان يخطئ، ولهذا يقول العلماء: من وقع فحاول أن تنقذه باللين، ومن لم يقع فادرأه، والدرء أحيانًا قد يكون فعلًا بعنف، أي: عندما تشعر أن أحدًا يريد أن يرتكب ذنبًا فلتكن عنيفًا معه، فقد ينفع العنف، لكن من وقع فلا ينفع العنف، وقد يكون الرفق أكثر تأثيرًا.

9 / 14