الانطلاقة الرابعة
في زمن كثر فيه المخالفون وزاد عدد المجادلون حتى فتن كثير من الرعاع وتساهلوا بأمر الدين وساروا خلف كل ناعق فغزت قلوبهم الشبهات، وحركت جوارحهم الشهوات، فأصبح اسم الإسلام كسيرًا في نفوسهم ذليلًا في ديارهم يبحثون فيه عما يوافق هواهم ويجرون فيه خلف كل زلة، انطلق بنا لنرى صورًا مذهلة في مدينة الرسول ﷺ وكيف هو أمر التسليم والرضا والمتابعة دون تراجع ولا شك، ولا تأخر ولا تردد.
عن البراء ﵁ قال: لما قدم رسول الله ﷺ المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة: ١٤٤] فوجه نحو الكعبة وصلى معه رجل العصر، ثم خرج فمر على قوم من الأنصار فقال: هو يشهد أنه صلى مع النبي ﷺ وأنه قد وجه إلى الكعبة، فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر (١).
ما أسرع تأسيهم وامتثالهم لأمر الرسول ﷺ سمعوا خبرا عنه ﷺ فلم يترددوا في التمسك به بل لم ينتظروا رفع رءوسهم من الركوع، وبادروا بالتوجه إلى حيث توجه النبي والقدوة ﷺ إلى الكعبة المشرفة وهم ركوع.
_________
(١) رواه البخاري.
1 / 9