[3_2]
ولا قولا مستكرها؛ وأكثر ما وجد من ذلك في خطب المولدين البلديين المتكلفين، ومن أهل الصنعة المتأدبين، سواء أكان ذلك منهم على جهة الارتجال والاقتضاب، أو كان من نتائج التخير والتفكير.
عهد الإسلام:
والمعقول أن أسلوب الجاهلين في الكلام المنثور لا يختلف عن الأسلوب المتبع في الرسائل والخطب أول الإسلام، لأن الرسول عليه الصلات والسلام خاطب قومه بالطريقة التي يفهمونها، وتقع في نفوسهم الموقع الحسن. وما قدرت العرب بلاغته حق قدرها إلا لأن بلاغتهم ضرب من بلاغته، والبليغ يدرك من هو أبلغ منه. وقد كتب النبي إلى عماله، وإلى رؤساء القبائل، وإلى الأمراء والملوك؛ ومنها ما أملاه بنفسه أو كتبه له كتابه فأقرهم عليه، مثال من بلاغة الأقدمين من العرب؛ وقد رأيناه صلوات الله عليه ينكر على من يسجعون الكلام، وينهى عن السجع على نحو سجع الكهان، وكانوا يسجعون للإغراب والتأثير والزينة.
كان الرسول يتوخى إذا كتب لغير العرب، أن يوجز القول، ويقل من اللفظ الذي لا يتفهمه كل إنسان، حتى يسهل نقل كلامه إلى ألسن من كتب إليهم من غير العرب، كما كان إذا خاطب قبائل من غير قريش أو كاتبهم يستعمل ألفاظا مألوفة لهم لا يعرفوها القرشيون، ذلك لأن مقصده الإفهام، والبليغ من الكلام ما فهم وأبقى في النفس أثرا.
أوتي الرسول جوامع الكلام وأختصر له الكلام اختصارا، وكلامه جزل رشيق، لا تعمل فيه ولا غموض، وروي عنه أنه قال: أبغضكم إلي الثرثارون المتشدقون يريد أهل الإكثار وأصحاب التقعير في الكلام. والتقعير التكلم بأقصى الفم، والتشدق تكلف البلاغة. نعم كان نزورا يذم المكثار، ويترسل في القول، ويكره الانبعاق في الكلام أي الاندفاع فيه. وقال: نضر الله وجه رجل أوجز في كلامه،
صفحه ۳