154

[153_2]

أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب). فما كان أحقكم في كريم حرمتنا بكم أن ترعوا حق قصدنا بذلك إليكم، على ما رعيناه من واجب حقكم، فلا العذر المبسوط بلغتم، ولا بواجب الحرمة قمتم، ولو كان ذكر العيوب برا وفضلا، لرأينا في أنفسنا عن ذلك شغلا، وإن من أعظم الشقوة، وأبعد من السعادة، ألا يزال يتذكر زلل المعلمين، ويتناسى سوء استماع المتعلمين، ويستعظم غلظ العاذلين، ولا يحفل بتعمد المعذولين.

بدأ بتقريع أهله والناقمين والناقدين عليه منهم ومن غيرهم، في إيثار كزازة اليدين على بسطهما، وأنه أراد بإرادتهم على الخير تعليمهم، وحفظ فضل أموالهم، وأنهم أخطئوا في سوء فهم مراميه، ولم يرعوا له حرمة ولا ذماما؛ وذكرهم بحكمة جميلة، وهو أن الناس يتذكرون خطيئات المعلمين، ولا يذكرون جهل المتعلمين، وعبر عنه بسوء الاستماع، وهو من أرق التعابير، وذكرهم بالآية الكريمة التي جاءت في العبد الصالح. وبعد أن بلغ من قوله هذا الحد، وبسط المسألة بينه وبين عاذليه على بخله، ودعوة الناس إلى طريقته، وأبان أنه اشتهر بها في العلم، وأنها مما لا يعده ثلمة في الشرف، بل فضيلة من فضائل النفس، وبعد هذا أخذ يخاطبهم ويورد لهم الأمثال التي وقعت له في هذا الشأن والتي وقعت لغيره فعدها عبرة، قال:

عبتموني بقولي الخادمي: أجيدي عجنه خميرا، كما أجدته فطيرا، ليكون أطيب لطعمه وأزيد في ريعه، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورحمه لأهله: املكوا العجين فإنه أحد الريعين. وعبتم علي قولي من لم يعرف مواقع السرف في الموجود الرخيص، لم يعرف مواقع الاقتصاد في الممتنع الغالي، فلقد أتيت من ماء الوضوء بكلية يدل حجمها على مبلغ الكفاية، وأشف من الكفاية، فلما صرت إلى تفريق أجزائه على الأعضاء، وإلى التوفير عليها من وظيفة الماء، وجدت في

صفحه ۱۵۳