150

الجميلة العقبين، شاهدته، إنها ليوكوثيا

Leucothea ،

29

التي كانت فيما مضى من البشر وتنطق بكلامهم، أما الآن فقد ذهبت إلى أعماق البحر، وفازت من الآلهة بنصيب من المجد، فأحست بالشفقة نحو أوديسيوس وهو يناضل وسط اللجج بجهد جهيد، فخرجت من اليم في صورة طائر النورس البحري باسطا جناحيه، وجلست فوق الطوف المشدود القطع بإحكام، وخاطبته بقولها: «أيها الرجل التعيس، كيف أضمر بوسايدون، مزلزل الأرض، لك مثل هذا الحقد الدفين؛ إذ يبذر لك بذور شرور عديدة؟ ولكنه، وايم الحق، بالرغم من ذلك الحقد، لن يستطيع إهلاكك. كلا، اعمل ما سأخبرك به، وإنك على ما أظن لا ينقصك الفهم، اخلع عنك هذه الملابس، واترك طوفك تدفعه الأمواج، ثم اسبح بيديك مكافحا وسط الأمواج حتى تبلغ أرض الفياكيين، حيث كتبت لك النجاة. هاك هذا الخمار، خذه ثم ابسطه تحت صدرك. إنه خالد، ولا خوف عليك من المصائب أو الهلاك وهو معك. ومتى لمست البر بيديك، اخلعه عنك واقذف به في البحر القاتم كالخمر، بعيدا عن اليابسة، موليا ظهرك نحو المكان الذي تقذفه فيه.»

30

قالت الربة هذا، وأعطته الخمار، ثم وثبت هي نفسها إلى البحر الصاخب في هيئة النورس البحري، فلفتها الأمواج الدكناء بين طياتها،

31

فحار أوديسيوس العظيم كثير الاحتمال في أمره؛ إذ أثيرت روحه العتيدة بعنف، فتحدث إلى نفسه يقول: «ويحي! لم لا يكون أحد الخالدين يدبر لي من جديد مكيدة جديدة؟ فهي تأمرني بمغادرة الطوف. كلا لن أطيع قولها على الفور؛ فالبر الذي تأمرني بالسباحة إليه بعيد عن عيوني، قصي. وإني لأرى أنه من الأفضل التشبث بالطوف طالما كانت أجزاؤه متماسكة، حيث سأقاسي الآلام والعذاب، حتى إذا ما هشمته الموجة إربا، سبحت، طالما لا تكون ثمة طريقة أفضل.»

بوسايدون يمضي في المطاردة

وبينما هو في حيرته عقلا وقلبا، سلط عليه بوسايدون مزلزل الأرض، موجة عاتية، فارتفعت إلى أعلى، ثم هوت منقضة عليه. وكما تهب الريح العاتية على كومة القش الجاف فيتناثر بعضه هنا، والبعض الآخر هناك، هكذا أيضا، فرقت الموجة شمل ألواح الطوف الطويلة. بيد أن أوديسيوس اعتلى ظهر أحد الألواح كما لو كان يمتطي صهوة جواد، ونزع عن جسده الملابس التي كانت أعطته إياها كالوبسو الفاتنة، وفي الحال بسط الخمار تحت صدره، وقذف بنفسه وسط اللجج، ناشرا ذراعيه تأهبا للعوم، فأبصر به السيد مزلزل الأرض، وهز رأسه وخاطب نفسه قائلا: «طالما قد قاسيت الكثير من المتاعب، فلتذهب الآن هائما وسط هذا الخصم، حتى تصل إلى قوم يبجلهم زوس. ومع ذلك فلست أعتقد أنك ستسخر من آلامك بأية حال.»

صفحه نامشخص