ادبای عرب در دوران جاهلیت و صدر اسلام
أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام
ژانرها
122
بعد أن شكته إليه، فقال فيها شعرا جميلا لا يصح أن يكون من أوائل نظمه. فكيف يصح أن تكون المعلقة أولى قصائده، وهي نادرة، كما وصفها ابن سلام في طبقات الشعراء، ولم ينظمها الشاعر إلا بعد أن كبر وعشق ولقي الأهوال، فأخلق بقريحته أن تتفتق للشعر في عنفوان الشباب، بعوامل الحب والحماسة، والجد في طلب المعالي، لا أن يكون بدء ولادتها في خريف العمر أو في شتائه.
هذا، ولعنترة قصة شهيرة سنأتي على ذكرها في العصر الذي جمعت فيه، وهو العصر العباسي الثالث. (6-7) ميزته
عرفنا عنترة عبدا أسود، أحب ابنة عمه فلم يستطع الوصول إليها، وهو غير حر ينكره أبوه. وعرفناه فارسا مغوارا، جريء الفؤاد، طماحا إلى المعالي، وعرفناه كريما جوادا، وحليما سهل المخالقة، وعفيفا شريف النفس أبيها لا يغمض على قذى،
123
فلا غرو أن تظهر جميع هذه الصفات في شعره، ويكون لها أثر كبير فيه، ولا سيما أثر ذلك النضال العنيف الذي اشترك فيه، من ناحية: حبه وجده في طلب المعالي، ومن ناحية أخرى: عبوديته وسواد لونه، فترك في شعره مرارة وألما هما صورة لما في نفسه من ألم العبودية والحب ومرارة التعبير. وترك فيه أيضا تلك الحماسة التي تتمثل بها شجاعته ونفسه الطموح. (6-8) بين العبودية والفروسية
نشأ عنترة أسود اللون، أبوه شداد من سادات بني عبس، وأمه زبيبة أمة حبشية، فلم يعترف شداد به جريا على عادة العرب. فجعل عنترة في طبقة الرعيان يحلب ويصر. ولكن نفس هذا الفارس الشجاع لا تحتمل العبودية وفيها من الشمم والإباء والجرأة شيء كثير. فكانت تتألم أشد الألم لما تلقى من الاحتقار والازدراء. فتحاول جهدها أن تخرج من طبقة الرعيان في إظهار شجاعتها ولديها سلاحان ماضيان: الشجاعة والشعر، وكلاهما كفيل بأن يجعل لصاحبه مكانة عالية في القبيلة. فالفارس يدافع عنها بسيفه، والشاعر يدافع عنها بلسانه. فلماذا لا يتحرر عنترة وتدعيه بنو عبس وهي تحتاج إليه حاجة مزدوجة؟ وقد قال صاحبنا الشعر في صباه، وشهد المعارك وهو لا يزال يحلب ويصر، ولكن أباه كان حريصا على التقاليد البدوية فأبى استلحاقه وتحريره، ولم يكن يحجم عن ضربه مع ما رأى من فصاحته وإقدامه، كما ضربه عندما حرشته عليه زوجه سمية ولم يكن قد تحرر بعد.
وما كان عنترة يجهل قدر نفسه فينام على الضيم والخمول. فقد كان يعلم حق العلم أن قومه سيحتاجون إليه إذا أغاروا أو أغير عليهم. فأخذ يلح على أبيه طالبا إليه أن يعترف به، وأبوه يعرض عنه مخافة التعيير، وهو صابر ينتظر يوما عصيبا تنكب فيه بنو عبس فيلتجئون إليه، فيغتنم الفرصة لتحقيق أمانيه، وليس هذا اليوم بعيد الوقوع، وغزوات العرب متواصلة طمعا في الغنائم. أو طلبا للماء والكلأ. فما طال به الأمر حتى سنحت له الفرصة التي يتوقعها.
وقد اختلف الرواة في ذكر خبرها، فقال ابن الكلبي: «وكان سبب ادعاء أبيه إياه، أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس، فأصابوا منهم واستاقوا إبلا، فتبعهم العبسيون. فلحقوهم. فقاتلوا عما معهم، وعنترة يومئذ فيهم. فقال له أبوه: كر يا عنترة! فقال عنترة: العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب والصر. فقال: كر وأنت حر. فكر وقاتل يومئذ قتالا حسنا، فادعاه أبوه بعد ذلك وألحقه بنسبه.»
وحكى غير ابن الكلبي أن السبب في هذا أن عبسا أغاروا على طيئ فأصابوا نعما، فلما أرادوا القسمة قالوا لعنترة: لا نقسم لك نصيبا مثل أنصبائنا لأنك عبد. فلما طال بينهم الخطب، كرت عليهم طيئ، فاعتزلهم عنترة وقال: دونكم القوم فإنكم عددهم، واستنقذت طيئ الإبل. فقال له أبوه: كر يا عنترة! فقال: أويحسن العبد الكر؟ فقال له أبوه: العبد غيرك. فاعترف به، فكر واستنقذ النعم.
صفحه نامشخص