[تساعيات ابن العطار]
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
قال الشيخ الإمام العلامة بقية السلف، وعمدة الخلف، علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن العطار الشافعي رضي الله عنه.
الحمد لله القديم الإحسان، ذي الطول والفضل والامتنان، الذي من علينا بالإيمان، وفضل ديننا على سائر الأديان. أحمده حمدا يقوم بآلائه في السر والإعلان، وأشكره شكرا أستمد به الزيادة من فضله لا النقصان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة راسخة في القلب واللسان، ثابتة القواعد والأركان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد بني عدنان، المبعوث بالحكمة والبيان، المكرم بالرسالة إلى الناس كافة في كل الأقطار والبلدان، المخصوص بالقرآن، المعجزة المستمرة على تعاقب الأزمان، فلم يزل داعيا إلى توحيد الملك الديان، مجاهدا في الله تعالى حق جهاده كاسرا للصلبان، قائما بالحق مزهقا للباطل حتى دحض أهل الزيغ والطغيان، ورجعوا عن عبادة الأوثان، إلى طاعة الرحمن، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الممدوحين في القرآن، والتابعين لهم بإحسان، ما اختلف الملوان، وما تكررت نعمه .. .. وتعاقب الجديدان.
أما بعد:
فإن الاشتغال بالحديث وعلومه مندوب إليه يرغب فيه الفحول من الذكران، ويزهد فيه الأغبياء الأرذال أهل الحرمان، أهله منصورون
صفحه ۱۵
مثابون عليه، وأعداؤه مقهورون محتاجون إليه، ذكر الله عز وجل أهله في كتابه، فقال عز من قائل:
{فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}.
ودعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه، فقال في الحديث الثابت عنه صلى الله عليه وسلم : ((نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها)).
فنفروا في طلبه وقاموا بالنذارة، رجاء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالنضارة، وأحسنوا -في تبليغهم أحاديثه- السفارة.
قال سفيان الثوري رحمه الله.
ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ((نضر الله امرءا سمع منا حديثا فبلغه)).
وقال أبو يعقوب البويطي: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: إذا رأيت صاحب حديث فكأني رأيت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . هو بمنزلته.
قال لنا الشافعي: جزاهم الله عنا خيرا؛ إنهم حفظوا لنا الأصل،
صفحه ۱۶
فلهم علينا فضل.
وقال علي بن المديني -الإمام المشهور بالعلم والفضل-:
ليس قوم خيرا من أصحاب الحديث، الناس في طلب الدنيا وهم في إقامة الدين.
وقال عمر بن حفص بن غياث: سمت أبي يقول - وقد قالوا له: يا أبا عمرو ما ترى أصحاب الحديث كيف تغيروا؟! قد فسدوا! قال: هم على ما هم عليه خير القبائل.
واعلم أن الإسناد خصيصة لهذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكدة، وطلب العلو فيه سنة أيضا؛ ولذلك استحبت الرحلة.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف.
وقال سعيد بن المسيب سيد التابعين رحمه الله: إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد.
وقال محمد بن أسلم الطوسي -وهو العالم الرباني-: قرب الإسناد قرب إلى الله عز وجل.
واعلم أنه ليس العلو في الحديث قرب الإسناد، بل ما ذكره الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك وهو: صحة الرجال، فإن اجتمعا في خبر فناهيك به رفعة، وشد يديك عدة وعمدة.
صفحه ۱۷
وقد ثبت في ((الصحيح)): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)).
ومقتضى هذا: أن من أدرك إسنادا عاليا في الصغر رجي عند الشيخوخة والكبر أن يكون من قرن أفضل من القرن الذي هو فيه، ومن القرن الذي يأتي بعده ويليه، كما أن الرواية عن الصحابي أعلى وأجمل من الرواية عن التابعين؛ لرؤيته النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا الرواية عن التابعين أولى وأجمل من الرواية عن تابع التابعي؛ لرؤيته الصحابي. وعلى هذا فليقس من باقي القرون إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد ورد في طلب العلو سنة صحيحة ثابتة في ((صحيح البخاري)) تعليقا و((مسلم)) -رحمهما الله- من حديث أنس رضي الله عنه قال:
((كنا قد نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع، وكانوا أجرا على ذلك منا. فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتان رسولك فزعم: أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: صدق. قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله. قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله. قال: فمن نصب هذه الجبال؟ قال: الله. قال: فالبذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب فيها الجبال، وجعل فيها المنافع، آلله أرسلك؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك: أن علينا صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: صدق .. .. )) الحديث بطوله.
فهذا الدليل على طلب المرء العلو من الإسناد والرحلة فيه؛ فإن الرجل المذكور في الحديث من أهل البادية -هو ضمام بن ثعلبة- لما جاءه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما فرض عليهم لم يقنعه ذلك حتى
صفحه ۱۸
رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع منه، فلو كان طلب العلو غير مستحب لأنكر عليه صلى الله عليه وسلم سؤاله عما أخبره رسوله عنه. والله عز وجل أعلم.
وقد أجمع أهل النقل على طلبهم العلو ومدحه؛ إذ لو اقتصروا على سماعه بنزول لم يرحلوا، وقد وجدنا الأئمة المقتدى بهم في هذا الشأن سافروا الآفاق في سماعه، ولو اقتصروا على النزول لوجد كل واحد منهم ببلده من يخبره بذلك الحديث، قد خرج جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله من المدينة -وهو من أجلاء الصحابة- إلى مسلمة بن مخلد وهو بمصر- في حديث واحد بلغه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقتنع بالسماع عمن بلغه إياه مع وثوقه به وعدالته عنده؛ إذ لو لم يكن المبلغ ثقة عنده عدلا لم يخرج بقوله من المدينة إلى مصر.
واعلم أن رتبة المحدث رتبة رفيعة ليس فوقها رتبة؛ لأنه لا تقام سنة، ولا تمات بدعة، ولا يؤمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، إلا وهو دليل على فضلهم؛ لأنهم الذين رووه ونقلوه ودونوه حتى بلغ إلى من عمل به، مع ما في ذلك من كون أسمائهم مقترنة باسم النبي صلى الله عليه وسلم .
قال يحيى بن أكثم: قال لي الرشيد يوما: ما أنبل المراتب؟ قلت: ما أنت فيه يا أمير المؤمنين. قال: فتعرف أجل مني؟ قلت: لا. قال: لكني أعرفه، رجل في حلقة يقول: حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت: يا أمير المؤمنين هذا خير منك وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي عهد المسلمين؟! قال: نعم، ويلك! هذا خير مني؛ لأن اسمه مقترن باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت أبدا، ونحن نموت
صفحه ۱۹
ونفنى، والعلماء باقون ما بقي الدهر.
واعلم أنا ذكرنا لعلو السند شرطين:
أحدهما: القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث العدد بإسناد متصل نظيف.
والثاني: عدالة رجاله أو كونهم مستورين، بحيث يدخلون في حد الحسن، فإن كانوا ضعفاء لم يعد ذلك عاليا. فكم من حديث يظهر لغير النقاد أنه لقرب إسناده عال وليس كذلك، بل ينبغي الإعراض عنه كحديث خراش عن أنس رضي الله عنه وما شاكله من النسخ الضعيفة، وإنما يكتبها حفاظ الآثار للمعرفة بها، وليبينوا كونها ضعيفة أو موضوعة لتجتنب.
وقد أخبرنا بحديث خراش الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن المطهر بن أبي عصرون الشافعي الموصلي بقراءتي عليه في العشرين من المحرم سنة تسعين وستمائة، قلت له: أخبرك أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل البزاز الهروي إذنا، قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد الشحامي، أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي بتخريج أبي سعد السكري، أخبرنا أبو بكر الطرازي، أخبرنا أبو سعيد الحسن بن علي بن زكريا ابن صالح العدوي ببغداد، حدثنا خراش بن عبد الله الطحان، حدثنا مولاي أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(الوجه الحسن يجلو البصر، والوجه القبيح يورث الكلح).
صفحه ۲۰
فقد وقع لنا هذا الحديث ثمانيا، وهو عزيز الوجود لنا، لكنه شبه الريح، وقد قال في إسناد مثله -سنذكره إن شاء الله تعالى- الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي:
((هذا إسناد شبه الريح؛ لأن خراشا مجهول، والعدوي كذاب والحمل فيه عليه، والمتن موضوع وضعه العدوي)).
هذا آخر كلامه. والله أعلم.
وقال أبو سعد السكري: ((هذا غريب من حديث أنس لم نكتبه إلا من حديث خراش بن عبد الله عنه، عال من حديث أبي سعيد عنه وبه يعرف)).
أخبرنا أبو العباس بن أبي الخير بن إبراهيم الحداد الحنبلي قراءة عليه وأنا أسمع في الثاني من شوال سنة سبع وستين وستمائة، قيل له: أخبرك الإمام أبو جعفر محمد بن إسماعيل بن محمد الطرسوسي إذنا فأقر به، قال: أخبرنا الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الخطيب الصريفيني إملاء من حفظه ببغداد، حدثني أبو حفص عمر بن إبراهيم الكتاني المقرئ، حدثني أبو سعيد الحسن بن علي العدوي، حدثني خراش بن عبد الله قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصوم جنة).
صفحه ۲۱
وهذا -أيضا- ثماني لنا، وفيه الكلام المتقدم في الحديث قبله.
قال المقدسي أبو الفضل ابن طاهر:
((قوله: ((الصوم جنة)) صحيح من طريق أبي هريرة، فركب العدوي إسنادا وجعله عن أنس بعلو)).
قلت:
حديث ((الصوم جنة)) رواه البخاري في التوحيد عن أبي نعيم الفضل بن دكين، ولفظه: ((يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنة، وللصائم فرحتان)) الحديث والله أعلم.
قال الحافظ أبو الفضل محمد ابن طاهر المقدسي:
((فإذا ورد عليك أحاديث هذا مع أمثاله -مثل: كثير بن سليم، ويغنم بن سالم بن قنبر، وفرج وموسى بن عبد الله الطويل، وأبي الدنيا عثمان بن الخطاب، وخراش بن عبد الله-، فلا تفرح بها ولا تعرج عليها. وهؤلاء قوم معرفون عند أهل النقل ب ((طيور السن))، ورواياتهم شبه الريح، يدعون أعمارا طويلة، ويروون أحاديث دخيلة، لم يحتج بحديثهم محتج، ولم ينقل في كتب الأئمة عنهم شيء، وإنما تنقل أحاديثهم للمعرفة والاستدلال بها على كذبهم وضعفهم، أعاذنا الله وإياك من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم )). هذا آخر كلامه.
واعلم أن العلماء قسموا العلو أقساما:
أحدها: ما ذكرناه، وهو: القرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح أو حسن.
صفحه ۲۲
وهذا القسم أعلاها.
الثاني: القرب من إمام من أئمة الحديث. وإن كثر العدد بعده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثالث: العلو بالنسبة إلى رواية أحد الكتب الخمسة. وهو ما كثر اعتناء المتأخرين به من الموافقات والأبدال والمساواة والمصافحة.
الرابع: العلو بتقدم السماع.
الخامس: العلو بتقدم وفاة الراوي.
وبسط الكلام على هذه الأقسام معروف في كتب علوم الحديث وغيرها، وسيعلم بعضه من الكلام على الأحاديث التي سنخرجها إن شاء الله تعالى.
وأن أشرع -إن شاء الله تعالى- في تخريج أحاديث معظمها من القسم الأول (تساعية الإسناد)، وهي أعلى ما يقع لأمثالنا.
وقد كنت سئلت عن تخريج أربعين حديثا تساعية بالقاهرة المحروسة، فخرجت لهم اثنين وعشرين حديثا؛ لأن سماعاتي كلها لم تكن حاضرة عندي بها، واعتذرت بذلك لهم فقبلوه، وسمعوها مني وكتبوا بها نسخا، ولله الحمد والمنة على ذلك وغيره من وجوه الخيرات، إنه قريب مجيب الدعوات.
صفحه ۲۳
الحديث الأول
1- أخبرنا قاضي القضاة أبو الفرج أبو محمد عبد الرحمن ابن الزاهد أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام المقدسي الحنبلي الإمام المفتي الخطيب، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني إذنا، قال: أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة بنت عبد الله بن أحمد الجوزدانية قراءة عليها وأنا أسمع، قالت: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن زياد التاجر، أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني رحمه الله، حدثنا أبو مسلم الكشي، حدثنا أبو عاصم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار).
وأخبرناه أبو الفرج ابن أبي عمر القاضي وأبو عبد الله محمد بن عمر بن يوسف الخطيب ببيت الأبار، قالا: أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد البغدادي. وقال: ابن أبي عمر: وأبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد اللغوي، قالا: أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أيوب بن ماسي، حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الكجي، حدثنا الأنصاري، حدثني سليمان التيمي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
هذا حديث صحيح، عال تساعي، متواتر، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم خلائق من الصحابة رضي الله عنهم.
أخرجه البخاري في ((صحيحه)) عن مكي بن إبراهيم، عن يزيد بن أبي عبيد.
فوقع له ثلاثيا وبدلا عاليا في الرواية الأولى، ووقع لنا تساعيا في الروايتين المذكورتين على شرط الصحيح فيهما، ولله الحمد.
واسم أبي عاصم المذكور في الرواية الأولى: الضحاك بن مخلد. والله عز وجل أعلم.
صفحه ۲۵
الحدث الثاني
2- أخبرنا الرحلة أبو العباس أحمد بن أبي محمد عبد الدائم بن نعمة المقدسي الحنبلي الكاتب، قال: أخبرنا أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن صدقة بن كليب الحراني فأقر به، وأبو الفضل عبد الله بن أبي نصر أحمد بن محمد الطوسي، وأبو السعادات نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز، وأبو الفتح عبيد الله بن شاتيل إجازة، قالوا: أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان الرزاز، أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز، أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار النحوي، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني القاسم بن مالك المزني، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
((بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ أقيمت الصلاة فقال: (يا أيها الناس، إني إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا برفع رؤوسكم؛ فإني أراكم من أمامي ومن خلفي. وأيم الذي نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا). قالوا: يا رسول الله، وما رأيت؟ قال: (رأيت الجنة والنار) )).
هذا حديث صحيح عال، أخرجه مسلم في الصلاة:
عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر عن علي بن مسهر.
وعن قتيبة عن جرير.
وعن محمد بن عبد الله بن نمير وإسحاق بن راهويه عن محمد بن فضيل.
ثلاثتهم عن المختار.
فوقع لنا عاليا. ولله الحمد والمنة.
وأخرجه النسائي فيه عن علي بن حجر به.
صفحه ۲۷
الحديث الثالث
3- أخبرنا أبو العباس ابن عبد الدائم الكاتب، قال: أخبرنا أبو الفرج عبد المنعم بن كليب سماعا، وأبو الفضل الخطيب وأبو السعادات القزاز وأبو الفتح ابن شاتيل إجازة، قالوا: أخبرنا أبو القاسم بن بيان الرزاز، أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد البزاز، أخبرنا أبو علي الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا القاسم المزني، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(أنا أول من يشفع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، إن من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة وما معه مصدق غير واحد).
هذا حديث صحيح عال، أخرجه مسلم في الإيمان:
عن إسحاق بن راهويه وقتيبة عن جرير.
وأبي كريب عن معاوية بن هشام عن الثوري.
وأبي بكر بن أبي شيبة عن حسين بن علي عن زائدة.
ثلاثتهم عنه. فوقع لنا عاليا. ولله الحمد.
صفحه ۲۹
الحديث الرابع
4- وبالإسناد قبله إلى الحسن بن عرفة قال: حدثني أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال:
((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأحرمنا بالحج. قال: فلما قدمنا مكة قال: (اجعلوا حجكم عمرة). فقال الناس: يا رسول الله، قد أحرمنا بالحج، فكيف نجعلها عمرة؟! قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (انظروا إلى الذي آمركم به فافعلوا). قال: فردوا عليه القول فغضب، ثم انطلق حتى دخل على عائشة رضي الله عنها غضبان، فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك؟ أغضبه الله، قال: (وما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا يتبع).
حديث حسن عال، أخرجه النسائي في اليوم والليلة عن أبي كريب، وأخرجه ابن ماجه في الحج عن محمد بن الصباح، كلاهما عن أبي بكر به.
واسم أبي إسحاق السبيعي: عمرو بن عبد الله، والسبيع بطن من همدان.
صفحه ۳۰
الحديث الخامس
5- أخبرنا القاضي أبو محمد بن أبي عمر بن أحمد المقدسي رحمه الله وإيانا، قال: أخبرنا أبو حفص ابن طبرزد المؤدب، أخبرنا الرئيس أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين قراءة عليه، أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، حدثنا إسماعيل القاضي، حدثنا أبو الهذيل العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية المنقري، حدثني عبيد الله بن عكراش، قال: حدثني أبي رضي الله عنه قال:
((بعثني بنو مرة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدمت عليه المدينة فوجدته جالسا بين المهاجرين والأنصار، فأتيته بإبل كأنها عروق الأرطى. فقال: (من الرجل)؟ قلت: عكراش بن ذؤيب. قال: (ارفع في النسب). فقلت: ابن حرقوص بن جعدة بن عمرو بن النزال بن مرة بن عبيد، وهي صدقات بني مرة بن عبيد. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قال: هذه إبل قومين هذه صدقات قومي. ثم أمر بها صلى الله عليه وسلم أن توسم بميسم إبل الصدقة وتضم إليها. ثم أخذ بيدي فانطلق إلى منزل أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هل من طعام)؟ فأتتنا بجفنة كثيرة الثريد والوذر، فأقبلنا نأكل منه، فأكل #32# رسول الله صلى الله عليه وسلم مما بين يديه، وجعلت أخبط في نواحيها. فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليسرى على يده اليمنى ثم قال: (يا عكراش، كل من موضع واحد؛ فإنه طعام واحد). ثم أوتينا بطبق فيه ألوان من رطب أو تمر -شك عبيد الله بن عكراش- رطبا كان أو تمرا، فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق. ثم قال: (يا عكراش، كل من حيث شئت؛ فإنه من غير لون واحد). ثم أوتينا بماء فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم مسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه، ثم قال: (يا عكراش، هكذا الوضوء مما غيرت النار) )).
هذا حديث عال تساعي بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه تسعة رجال.
أخرجه الترمذي في ((جامعه))، وابن ماجه ببعضه في ((سننه)) عن محمد بن بشار بندار، عن العلاء بن الفضل به، فوقع بدلا عاليا لهما.
وقال الترمذي: ((غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء)).
وقد تفرد العلاء بهذا الحديث، وليس لعكراش بن ذؤيب في ((جامع الترمذي)) و((سنن ابن ماجه)) غير هذا الحديث الواحد. والله أعلم.
والأرطى: بفتح الهمزة وسكون الراء وبطاء مهملة مقصور هو شجر من شجر الرمل عروقه حمر.
وقد اختلف في همزته:
فقيل: إنها أصلية؛ لقولهم: أديم مأروط.
وقيل: زائدة؛ لقولهم: أديم مرطي.
وألفه للإلحاق، أبو بني الاسم عليها، وليست للتأنيث.
والوذر: بفتح الذال المعجمة وسكونها جمع وذرة بسكونها وهي: القطعة من اللحم، أي: كثيرة قطع اللحم. والله أعلم.
صفحه ۳۱
الحديث السادس
6- أخبرنا محمد بن إسماعيل بن عثمان بن الحسين بن عبد الله بن الحسن بن عساكر أبو عبد الله، قال: أخبرنا أبو الحسن عبد اللطيف بن إسماعيل النيسابوري وأبو اليمن زيد بن الحسن الكندي، قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الفرضي، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي قراءة عليه وأنا حاضر، أخبرنا أبو محمد ابن ماسي.
ح: وأخبرنا محمد بن علي بن محمود بن أحمد الصابوني أبو حامد الحافظ، قال: أخبرنا المشايخ: أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الحرستاني سماعا، وأبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي بن الحسن الطوسي، وأبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل، وأم المؤيد زينب بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن الشعري إجازة.
قال الحرستاني: أنبأنا الشيخان: أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أحمد الفراوي، وأبو محمد إسماعيل بن أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر صالح القارئ.
وقال المؤيد الطوسي: أخبرنا فقيه الحرم أبو عبد الله الفراوي.
وقال أبو روح: أخبرنا أبو القاسم تميم بن أبي سعيد الجرجاني. وقالت الشعرية: أخبرنا إسماعيل القارئ.
قالوا ثلاثتهم: أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عمر بن محمد بن مسرور الزاهد، أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف بن خلف السلمي، قالا: أخبرنا أبو مسلم الكجي، #35# حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثني حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(انصر أخاك ظالما أو مظلوما). قال: قلت: يا رسول الله: أنصره مظلوما، فكيف أنصره ظالما؟ قال: (تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه).
هذا حديث صحيح عال، أخرجه البخاري عن مسدد، عن معتمر، عن حميد.
وأخرجه الترمذي عن محمد بن حاتم المؤدب، عن الأنصاري.
فوقع بدلا عاليا لنا وتساعيا على شرط الصحيح؛ إذ بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه تسعة رجال. وذلك من أعلى ما يقع لأمثالنا. والله عز وجل أعلم.
صفحه ۳۴
الحديث السابع
7- أخبرنا أبو حامد ابن أبي الحسن المحمودي الخطيب، قال: أخبرنا القاضي عبد الصمد بن محمد الشافعي الفقيه سماعا، وأبو الحسن المؤيد الطوسي، وعبد المعز بن محمد الهروي، وزينب الشعرية إجازة. قال القاضي عبد الصمد: أنبأنا. وقال المؤيد الطوسي: أخبرنا فقيه الحرم أبو عبد الله الفراوي. وقال القاضي عبد الصمد -أيضا-: أنبأنا. وقالت أم المؤيد زينب الشعرية: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل القارئ. وقال أبو روح الهروي: أخبرنا أبو القاسم الجرجاني.
قالوا ثلاثتهم: أخبرنا أبو حفص ابن مسرور، أخبرنا أبو عمرو ابن نجيد، أخبرنا أبو مسلم هو الكجي، حدثنا أبو عاصم، عن أيمن بن نابل، عن قدامة بن عبد الله رضي الله عنه قال:
((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة صهباء يرمي الجمرة، لا ضرب ولا طرد ولا جلد ولا إليك إليك)).
حديث صحيح عال، أخرجه الحاكم في ((المستدرك على الصحيحين)).
وأخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية.
والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم، عن وكيع، كلاهما عن أيمن.
وأخرجه الحارث بن أبي أسامة، عن روح، عن أيمن.
فوقع بدلا عاليا.
صفحه ۳۶
الحديث الثامن
8- أخبرنا أحمد بن عبد الدائم المقدسي رحمه الله إن لم يكن سماعا فإجازة، عن أبي الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي، قال: قرئ على أبي الفوارس طراد بن محمد بن علي الزينبي وأنا أسمع: أخبرك أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار، حدثنا الحسين بن يحيى بن عياش المتوثي، حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سافر: (اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال، ومن الحور بعد الكون، ودعوة المظلوم). قيل لعاصم -يعين: ابن سليمان الأحول-: ما الحور بعد الكون؟ قال: كان يقال: حار بعدما كان)).
هذا حديث صحيح عال، أخرجه مسلم في المناسك عن يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية، عن عاصم بن سليمان.
فوقع لنا عاليا.
صفحه ۳۸
الحديث التاسع
9- وبالإسناد المتقدم قبله إلى عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال:
((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أناس من أصحابه، فدرت هكذا من خلفه، فعرف الذي أريد. فألقى الرداء عن ظهره، فرأيت موضع الخاتم على نغض كتفه مثل الجمع، حولها خيلان كأنها الثآليل، فرجعت حتى استقبلته فقلت: غفر الله لك يا رسول الله. فقال: (ولك). فقال القوم: استغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم، ولكم. ثم تلا هذه الآية: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} الآية)).
هذا حديث صحيح عال، رواه الترمذي عن أبي الأشعث.
فوقع لنا موافقة عالية. ولله الحمد.
صفحه ۳۹
الحديث العاشر
10- أخبرنا أبو العباس ابن أبي محمد الكاتب إن لم يكن سماعا فإجازة، عن أبي الفضل ابن أبي نصر ابن محمد الخطيب بالموصل، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد اللغوي، أخبرنا الحسن بن أحمد، أخبرنا عثمان بن أحمد، حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا علي بن عاصم، أخبرنا أبو ريحانة عبد الله بن مطر، قال: أخبرني سفينة رضي الله عنه مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضئه المد، ويغسله الصاع من الجنابة)).
هذا حديث صحيح عال، انفرد بإخراجه مسلم، فرواه في الطهارة من ((صحيحه)) من طرق، منها: عن أبي كامل الفضيل بن الحسين الجحدري، وأبي حفص عمرو بن علي الصيرفي، كلاهما عن بشر بن المفضل.
ورواه مسلم -أيضا- والترمذي عن أبي الحسن علي بن حجر.
وزاد الترمذي: وأحمد بن منيع.
ورواه مسلم -أيضا- وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة.
ثلاثتهم عن إسماعيل بن علية، كلاهما عن أبي ريحانة.
فوقع لنا بدلا عاليا لثلاثتهم. ولله الحمد والمنة.
صفحه ۴۰
الحديث الحادي عشر
11- أخبرنا أحمد بن نعمة الحنبلي إذنا لم أكن سمعته منه، عن عبد الله بن أحمد بن محمد الموصلي، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد بن الحسين القارئ ببغداد، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا يحيى بن جعفر، أخبرنا علي بن عاصم، أخبرنا بشير بن ميمون، حدثني أسامة بن أخدري رضي الله عنه قال:
((قدم الحي من بني شقرة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فيهم رجل ضخم يقال له: أصرم، قد ابتاع حبشيا، فقال: يا رسول الله، سمه، وادع له بالبركة. قال: (ما اسمك)؟ قال: أصرم. قال: (بل أنت زرعة). فقال: ما تريد به؟ قال: أريده راعيا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بأصابعه وقبضها وقال: (هو عاصم، هو عاصم) )).
هذا حديث حسن عال، رواه أبو داود في الأدب من ((سننه)) عن أبي الحسن مسدد بن مسرهد، عن بشر بن المفضل، عن بشير بن ميمون نحو ما رويناه.
فوقع لنا عاليا تساعيا.
صفحه ۴۲