فالتركيبان الأولان لا يحدثان تضادا، وذلك أن قولنا الإحسان إلى الأصدقاء ليس هو ضد قولنا الإساءة إلى الأعداء؛ وذلك أن كليهما مأثور ومن شأن خلق واحد بعينه. ولا قولنا أيضا الإحسان إلى الأعداء ضد قولنا الإساءة إلى الأصدقاء لأن هذين كليهما مما يهرب منه، ومن شأن خلق واحد، إذا كانا عن الشر. وليس يظن بشىء يهرب منه أنه يضاد شيئا يهرب منه، إلا أن يكون أحدهما يقال بالزيادة والآخر بالنقصان. وذلك أن الزيادة يظن بها أنها من الأشياء التى يهرب منها، وكذلك النقصان. والأربعة الباقية كلها فيحدث عنها تضاد. وذلك أن قولنا: الإحسان إلى الأصدقاء ضد قولنا: الإساءة إلى الأصدقاء. وذلك أن هذين إنما يكونان من خلق متضاد، إذ كان أحدهما مأثورا والآخر يهرب منه. وكذلك الحال فى المعانى الأخر: فإن فى كل واحد من ازدواجاتها يوجد الواحد مأثورا والآخر يهرب منه، والواحد من شأن خلق محمود، والآخر من شأن خلق مذموم. — فبين إذا مما قلنا أنه قد يعرض أن تكون للواحد بعينه مضادات أكثر من واحد. وذلك أن ضد قولنا: الإحسان إلى الأصدقاء، قولنا: الإحسان إلى الأعداء، وقولنا: الإساءة إلى الأصدقاء. وكذلك إذا تأمل الإنسان على ذلك المثال كل واحد من الآخر ظهر له تضادات. فينبغى أن نأخذ من الضدين أيهما كان نافعا فى الوضع.
وأيضا إن كان يوجد للعرض ضد ما، فينبغى أن ننظر هل يوجد للشىء الذى قيل فيه إن له يوجد العرض، لأن هذا إن كان موجودا فذلك غير موجود، وذلك أنه ليس يمكن أن يوجد كلا الضدين لشىء واحد بعينه.
وموضع آخر إن قال قائل إن شيئا يعرض لشىء فينبغى أن ينظر هل يوجد للعرض ضد ما. فإن كان ضد العرض يوجد للشىء الذى قال إنه عرض له، ليس يوجد ذلك العرض للشىء الذى قال من أول الأمر إنه عرض له، وذلك أنه ليس يمكن أن توجد المتضادات لشىء واحد بعينه معا.
صفحه ۵۲۰