المعلم الحنفي -فسح الله في مدته- قال: "عذلتُ (١) الشَّيخَ محيي الدين في عدم دخول الحمام، وتضييق عيشه في أكله، ولباسه، وجميع أحواله، وقلتُ له: أخشى عليك مرضًا يعطِّلك عن أشياء أفضل مما تقصده".
قال: "فقال: إن فلانًا صام، وعبدَ الله حتى اخضرَّ عظمه".
قال: "فعرفتُ أنه ليس له غرض في المقام في دارِنا هذه، ولا يلتَفِتُ إلى ما نحنُ فيه" (٢).
ورأيتُ رجلًا من أصحابه قَشَّرَ خيارةً؛ ليطعمه إياها، فامتنعَ مِن أكلها، وقال: "أخشى أن ترطِّبَ جِسْمي، وتجلبَ النوم" (٣).
وكان ﵀ لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلةً واحدة بعد عشاء الآخرة، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السَّحر، وكان لا يشرب الماء
_________
(١) أي: لُمْتُ.
(٢) قال السخاوي في "ترجمة الإمام النووي" (ص ٣٨): "وفيما أدرجه الذَّهبي [في "تاريخ الإسلام" (ورقة ٥٧٨)] في كلام ابن العطار مما لم أقف عليه في النّسخة التي وقفتُ عليها؛ قال: وعزم عليه الشيخ برهان الدين الإسكندراني أن يفطر عنده في رمضان، فقال: أحضر الطعام إلى هنا، ونفطر جملة. قال ابن العطار: فأفطرنا ثلاثين أو أكثر على لونين من الطعام، وكان الشيخ في بعض الأوقات يجمع إدامين". انتهى.
ولعل في هذا ما يشعر بمخالفة ما قاله اليونيني في "ذيل مرآة الزمان" (٣/ ٢٨٨)، وابن كثير في "البداية والنهاية" (١٣/ ٢٧٩) عنه: "ولم يجمع بين إدامين"!
ولا تضارب، فجمع اللونين على مائدته لإكرام الناس، وهو مباح شرعًا، بل ومرغب فيه، أما هو بخاصّة نفسه فلم يأكل إلاَّ طعامًا واحدًا، والله أعلم.
(٣) نقلها عن المصنف: الذهبى في "تاريخ الإسلام" (ورقة ٥٧٧)، والسخاوي في "ترجمة الإمام النووي" (ص ٣٨)، والسيوطي في "المنهاج السوي" (٤٥).
1 / 67