240

تحفة الأسماع والأبصار

تحفة الأسماع والأبصار

مناطق
یمن

وقد أمر مولانا أمير المؤمنين -قدس الله سره- النايب في البندر المحروس بتجهيزه في المراكب المعدة من جماعة العسكر المحافظين في ذلك البندر، واعداده عدة المحاربة في تلك المراكب من المدافع والزبارط من البنادق المتخذة سلاحا للعسكر المنصور، وذلك لأجل لخوف من الأتراك الذين بجانب (سواكن) وبندر (مسوع)-أقماهم الله وقطع دابرهم- فوقع التجهيز من النايب في هذا البندر على هذا التقرير، ومطابقة هذا التقدير، وبلغوا به إلى بندر (بيلول) المعروف بلد السلطان (شحيم بن كامل الدنكي) ورجع العسكر سالمين لم يعرض لهم شيء من جانب الخصم بحمد الله ومنه، وتوجه رسول ملك الحبشة إلى مخدومه بتلك الهدية، والجواب عليه في ما ذكره، وغاب هنالك الرسول سنة ثلاث وخمسين وما بعدها إلى عام سبع وخمسين وألف، ثم إن الملك المذكور عاود مولانا أمير المؤمنين المؤيد بالله -رضوان الله عليه- بكتاب آخر وهدية أخرى، واستعجل الرجل المطلوب وصوله إليه، وذكر في كتابه معناه أن المهاداة بالمال هي نفس المطلوب، وإنما هي تبع للوصول إلى نيل الغرض بإرسال الرجل الذي أستدعينا وصوله، وقد كان سبق قبل هذا وفاة حي أمير المؤمنين مولانا المؤيد بالله ومصيره -رضوان الله- وما عند الله خير للأبرار، فلما وصل رسول الملك إلى بعد أطراف الحبشة، وبلغه خبر وفاة مولانا الإمام -عليه السلام- وأرسل إلى الملك يرفع إليه ذلك، ويعلمه بما بلغ إليه، فرجع له الجواب أن ينفذ لما أمر به، وجعلوا كتابا إلى مولانا المتوكل على الله-أيده الله- في شهر [.....]من عام سبع وخمسين وألف سنة، وكان خروجه إلى بندر (المخا) وجاءت طريقه بطن تهامة من جانب مدينة (زبيد)[80/ب]-حرسها الله تعالى- ثم على مدينة (مور) و(الأمروخ) ونفذ إلى (هجر الأهنوم). ووصل إلى إمامنا سلام الله عليه إلى حصن (شهارة) المحمية، ومستقر الأئمة، وعمدة معاقل الزيدية، فأعظم مولانا -أيده الله تعالى- أمره، وأكرم مثواه، وأحسن نزله، فاطلع على كتبه وعرف ما استدعاه الملك من وصول رجل يفيض إليه بسر لا تحمله بطون الأوراق، ولا تطيب نفسه أن يفضي إلى رسوله، لما يخشاه من الحاسد، ويخالطه من الإشفاق، وكان في ما لا يخفى من الإجمال، والتسبب لأن تتعلق به عظائم الآمال، فاختص مولانا -عليه الصلاة والسلام- بذلك الرسول في بعض مجالسه الخالية، وسأله عما في كتاب الملك، وهل عنده ظن بمراده من ذلك، فقال: الذي يبلغ إليه ظني أنه يريد الإسلام، فلما قال ذلك سر به مولانا -عليه السلام- ولمعت أسارير وجه المضيء، وأنبسط نشاطا خلقه الرضي، وأسر في نفسه أن هذه نعمة جليلة، وأمر عظيم يتوصل إلى تمامه بكل حيلة، ثم التفت بعد ذلك إلى مشاورة أهل حضرته، واستتنصاحهم في ذلك، وما الذي يتوجه فيه الرأي، فاتفق نظر كثير من أهل الفضل، وأرباب القول الفصل، أن إجابة هذا الملك إلى وصول رجل تجب قطعا، ويتوجه لزومها شرعا، حيث يعلق الطمع بإسلامه، والإنخراط في سلك هذا الدين ونظامه، فإنه يجب إجابة من نظن فيه، ولو لم يرج إلا صلاحه في نفسه، كيف والمعلوم من طريق العادة أنه يتبعه الجماهير، كما ثبت في قضية العقل وحدسه، وقد وقع في ذلك الرأي من بعض أهل النظر، استنادا إلى ما ثبت لديهم بالفكر وتقرر، وهو أن هذا الملك الثابت في تخت ملكه، المتقرر لديه أباطيل شركه وزخارف إفكه، لا يغلب على الظن أن هذا المنهج قصده، ولا تحدى فيه عيسه ولا يوري فيه زنده، فأطرح هذا الرأي لما كان القايل به القليل، والترجيح بكثرة الرجال دليل وأي دليل، لا سيما وقد طابق ذلك رأي صاحب الحل والعقد، والإبرام والنقض، المهتدى بهداه، الذي يقصر كل نظر في مصالح الدين عن منتهى نظره ومداه، مولانا أمير المؤمنين -أيده الله تعالى- بمواد التسديد والنصر المبين، مع الإستظهار بذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لأن يهدي الله رجلا على يديك خير لك مما طلعت عليه الشمس )) وليس الطريق إلى إمكان الهداية إلا الظن، فأستقر الرأي على وجوب إجابة الملك إلى وصول رجل إليه، يبحث عن سره، ويطلع على حقيقة أمره، وكنت في تلك السنة في سفر الحج إلى بيت الله الحرام، وزيارة الضريح النبوي على صاحبه وعلى آله أفضل الصلاة وأشرف السلام[81/أ]، وكان من فضل الله علي أن هذه الحجة هي الثالثة، فلله الحمد على ذلك حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.

صفحه ۳۵۹