خطبة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى اختص حبيبه الأسنى، بمقام قوسين أو أدنى، وقرن اسمه الشريف بأعظم أسمائه الحسني. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولى عباده وحبيب عباده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله الشرفاء، وأصحابه الخلفاء، والحلفاء، وعلى إخوانه من الأنبياء، ومن اتبعه من الأولياء، صلاة تنشر نفحاتها على أرواحهم الطاهرة، وتسبغ نعمها عليهم باطنة وظاهرة، وسلم تسليما تحمله الملائكة وتبلغه إلى روضاتهم الطيبة المباركة.
سبب تأليف الكتاب:
قال الشيخ الإمام العالم العلامة العمدة السخاوى، المعترف بذنبه المعترف من نهر عطاء ربه، عفا الله عن خطئه وعمده، وتداركه برحمة من عنده:
نظرت فى بعض نسخ شيخنا (قدس الله سره) (1)، وشرح صدره، بالنظر إليه وسره، فرأيت النساخ جهلوا بعض كلامه، وإذا عرفوه واشتبه عليهم بشىء من كلامه صحفوه وأخرجوه بذلك عن أصله، فاستخرت الله تعالى، واستعنت به فى تحرير هذه النسخة، معتمدا فى ذلك على نسخة كانت عندى له من أثره محررة.
صفحه ۳
وها أنا أشرع فى بيان ذلك، مفوضا لربى المالك، على عادة المصنفين، على حسب ما اقتضت إليه همتهم من التأليف على طرق شتى بحسب الاطلاع والمقاصد.
فمنهم: من اعتنى بذكر الصحابة والقرابة والتابعين وتابعيهم.
ومنهم: من اعتنى بذكر الشهداء والمجاهدين فى سبيل الله تعالى.
ومنهم: من ذكر العلماء والفقهاء.
ومنهم: من ذكر الحفاظ من المحدثين ومشايخ القراء.
ومنهم: من ذكر الخطباء والمتصدرين.
ومنهم: من ذكر الفصحاء وأصحاب المعروف من الوزراء والكتاب وذوى الأموال.
ومنهم: من اختص بذكر المزارات ومعرفة الآثارات.
ومنهم: من شرح الصدور بذكر فضل زيارة القبور.
ومنهم: من نبه قلوب الغافلين بذكر البعث والنشور، إلى غير ذلك مما لم يحضرنى ذكره.
فرأيتها: على غير منوال بل شوارد أقوال، أحببت أن أجمع بين هذه المقاصد راجيا من الله تعالى أن يكون كتابى هذا عونا وعمدة لكل قاصد، لعلى به أن أنال من مقاصد الخير بعض الذى نالهم، وأن أعد من الذين قد اقتفوا آثارهم، وأطلب من الله المعونة على جمع هذا الكتاب.
صفحه ۴
وسميته: تحفة الأحباب وبغية الطلاب
والله سبحانه وتعالى أسأل أن يوفقني لاختتامه.
تسمية هذا الكتاب واتباعه لكتاب الكواكب السيارة:
وإنى وضعت كتابى هذا على ترتيب الكتاب المعروف (بالكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة) فإنه ذكر فيه بيان الخطط والآثار القديمة بالقرافتين الصغرى والكبرى، ومزارات البقاع التي الدعاء عندها مستجاب، وذكر المساجد، وفضل الجبل المقطم، وفضل أوديته المباركة، ومن نزل به، ومن أقام فيه، إلى غير ذلك، وهو أكمل كتاب فى هذه الطريقة.
وكان مؤلفه (رحمه الله) تبارك وتعالى فرغ من جمعه وتأليفه فى سنة أربع وثمانمائة، لكنه مع هذا الجمع المفيد دخل عليه السهو فى مواضع منه، ولعل ذلك من سبق القلم أو من اشتغال الخاطر، أو بحسب اطلاعه لكن الفضل للمتقدم.
ما زاده مؤلفنا على مؤلف الكواكب السيارة وخطته فى التأليف:
فمن أجل ذلك أحببت أن أجمع من الشوارد، ما فاته مع ذكر التراجم المفيدة، والمناقب الحميدة، والأقوال الغريبة، والأفعال المرضية، ومعرفة أهل مصر. ومن دخل إليها من غير أهلها، وأن أسرد بعض من ألف وقال، وأبين كل فن فى مكانه الذى هو فيه الآن، وأذكر صفة ما عليه إن كان موجودا أو معروفا، وأذكر الخطة التى هو فيها، والتربة التى دفن بها، وأشير إليها بالإيماء، حتى يكون الزائر على بصيرة ويقين، وذلك نقل خلف عن سلف على سبيل الاختصار مع بيان النصيحة فى الأقوال والأفعال
صفحه ۵
- إن شاء الله سبحانه وتعالى- لينتفع به الزائر، ويهتدى به الحائر، ويتضح ذلك للطالب، وينال به المطالب، ويكتفى به المشتاق الراغب، وإلى الله تعالى أرغب فى تمام ما قصدت. وتيسير أسباب ما اعتمدت، إنه أكرم مسئول وأسمح مأمول، وأن ينفع به قارئه وسامعه وناقله والناظر فيه بمنه وكرمه آمين.
صفحه ۶
(فصل فى زيارة القبور)
اعلم أيدك الله سبحانه وتعالى: أن النبى (صلى الله عليه وسلم) زار القبور وأذن فى زيارتها، بعد نهيه عن ذلك، وقال: «زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة».
ما ينبغى لزائر القبور:
وزيارة القبور سنة يثاب فاعلها بقصده الجميل وينبغى لزائرها أن لا يقول إلا خيرا، ولا يجلس على القبور ولا يمتهنها، ولا يجعلها صفة القبلة ولا يتلمس بها إلى غير ذلك من الأمور المنكرة فى الشرع.
ما زاره (صلى الله عليه وسلم) من القبور:
وجاء فى بعض الأخبار: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) زار قبر أمه، وزار قبر عثمان بن مظمون، وعلمه بحجر ليعرفه من بين القبور (وقال) عليه الصلاة والسلام «نهيتكم عن زيارة القبور ولكن زوروها» (1) وهذا عام فى الأشخاص فيكون عاما فى الأحوال.
(ذكر ما ورد فى استحباب زيارة القبور من حديث منقول وأثر مأثور):
زيارة القبور للرجال:
اعلم: أن من الدليل على استحباب زيارة القبور الإجماع فى حق الرجال
صفحه ۷
كذا نقل العبدى. وقال النووى: هو قول العلماء كافة. وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر فى الاستذكار عند تكلمه على حديث أبى هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «أنه خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لا حقوز، نسأل الله لنا ولكم العافية» الحديث قال فية إباحة الخروج إلى المقابر وزيارتها وهذا مجمع عليه فى الرجال وعن ابن عبد البر أيضا بسند صحيح «ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلا رد السلام عليه». وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: «مر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالقبور بالمدينة (2) فأقبل عليهم بوجهه فقال السلام عليكم يا أهل القبور ويغفر الله لنا ولكم، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع نسأل الله لنا ولكم العافية، إنهم لنا سلف ونحن بالأثر» (1) والأحاديث فى ذلك كثيرة.
زيارة القبور فى حق النساء:
أما فى حق النساء فيدل عليه ما جاء فى صحيح البخارى «أن النبى (صلى الله عليه وسلم) رأى امرأة تبكى عند قبر فقال: «اتقى الله يا أمة الله واصبرى» ولم ينكر عليها، ولو كان بكاء النساء عند القبور وزيارتهن لها حراما لنهاها النبى (صلى الله عليه وسلم) عن زيارتها وزجرها.
وأما ما روى عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه نهى عن زيارة القبور
صفحه ۸
للنساء فغير صحيح إلا أنه لا يجوز لهن التبهرج والكلام مع الأجانب وإسفار وجوههن وغير ذلك من المنهيات.
ما رؤى من البركة عند قبور الصالحين:
واعلم أن قبور الصالحين لا تخلو من بركة، وأن زائرها والمسلم على أهلها والقارىء عندها والداعى لمن فيها لا ينقلب إلا بخير ولا يرجع إلا بأجر وقد يجد لذلك أمارة تبدو له، أو بشارة تنكشف له.
فمما روى عن يحيى بن سعيد عن شعبة بن الحجاج قال «فتن الناس:
بقبر عبد الله بن غالب رضى الله تبارك وتعالى عنه، فأخذت من ترابه فإذا هو مسك أو تحته مسك، وقصة هذا القبر مشهورة ولما خيف على الناس منة الفتنة سوى.
وذكر ابن إسحاق قال: حدثنى يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تبارك وتعالى عنها أنها قالت: «لما مات النجاشى كان يتحدث أنه لا يزال على قبره نور».
يستحب أن يدفن عند قبور الصالحين:
ويستحب أن يقصد الإنسان بميته قبور الصالحين، ومدافن أهل الخير، ويدفنه بالقرب منهم، وينزله بإزائهم، ويسكنه فى جوارهم، تبركا بهم، وأن يتجنب به قبور من سواهم ممن يخاف التأذى بمجاورته، والتألم بمشاهدة حاله. وقد روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إن الميت ليتأذى بالجار السوء كما يتأذى به الحى. ولما حضرت أبا على الروذبارى الوفاة كان رأسه فى حجر ابنته فاطمة ففتح عينه ثم قال: هذه أبواب السماء قد فتحت وهذه الجنان قد زخرفت. وهذا قائل يقول يا أبا على قد بلغناك المرتبة
صفحه ۹
القصوى وإن لم تردها، ثم قال:
وحقك لا نظرت إلى سوا كا
بعسين سودت حتى أرا كا
ومما وجد عل قبره مكتوبا:
إن الحبيب من الأحباب مختلس
لا يمنع الموت حجاب ولا حرس
وكيف تفرح بالدنيا ولذتها
يا من يعد عليه اللفظ والنفس
أصبحت يا غافلا فى النقص منغمسا
وأنت دهرك فى اللذات تنغمس
لا يرحم الموت ذا مال لعزته
ولا الذى كان منه العلم يقتبس
كم أخرس الموت فى قبر وقفت به
عن الجواب لسانا ما به خرس
قد كان قصرك معمورا به شرف
وقبرك اليوم فى الأجداث مندرس
وقد كتب الناس على القبور مواعظ لا تحصى.
(فصل)
القبر لغة ومعنى:
القبر مدفن الإنسان وجمعه قبور والمقبرة بفتح الميم وضم الباء وحكى جمال الدين بن مالك (رحمه الله تعالى) كسر الباء قاله الجوهرى وقال صاحب المحكم المقبرة موضع القبور.
وقال ابن السكيت: أقبرته أى صيرت له قبرا يدفن فيه. وقوله تبارك وتعالى: «ثم أماته فأقبره» أى فجعله ممن يقبر ولم يجعله ممن يلقى للكلاب، والقبر مما أكرم به بنو آدم.
قصة موسى مع ملك الموت:
ومما روى البخارى: «أن ملك الموت أرسل إلى موسى عليه الصلاة
صفحه ۱۰
والسلام فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه عز وجل فقال أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه وقال ارجع فقل له يضع يده على متن ثور وله كل ما غطته يده بكل شعرة سنة. قال أى رب ثم ماذا؟ قال ثم الموت. قال فالآن، فسأل الله سبحانه وتعالى أن يدنيه الن الأرض المقدسة رمية الحجر.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لو كنت ثم لأريتكم قبره جانب الطريق عند الكثيب الأحمر».
دفن يوسف بمصر وحمل موسى له حين خروجه (عليهما السلام):
وقال ابن زولاق إنه لما مات يوسف عليه الصلاة والسلام بمصر ودفن بها فى قبر فى صندوق رخام فى وسط نهر النيل حتى تعم بركته على الجانبين من أرض مصر فأقام فى القبر بمصر إلى أن حمله معه موسى عليه الصلاة والسلام حين خرج من مصر وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام لما خرج هو وبنو إسرائيل من مصر ضلوا الطريق وأظلم عليهم فقال ما هذا فقال علماؤهم إن يوسف عليه الصلاة والسلام لما حضرته الوفاة أخذ علينا موثقا من الله سبحانه وتعالى أن لا نخرج حتى ننقل عظامه معنا، قال فمن يعرف موضع قبره ؟ قالوا عجوز لبنى إسرائيل فبعث إليها فأتته فقال دلينى على قبر يوسف، قالت العجوز لموسى وكانت مقعدة عمياء لا أخبرك بموضع قبر يوسف حتى تعطيني أربع خصال. تطلق رجلى وترد على بصرى وشبابى وأكون معك فى الجنة فكبر ذلك على نبى الله موسى، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى أن أعطها ما سألت، ففعل موسى ذلك، فانطلقت بهم إلى موضع قبر يوسف عليه الصلاة والسلام وهو بالنيل فاستخرج من الصندوق المذكور، ولما فكوا التابوت طلع القمر وأضاءت
صفحه ۱۱
الطريق مثل النهار فاهتدوا وحملوه معهم ودفن فى قبر مع أبيه بالأرض المقدسة.
معجزة لموسى (عليه السلام):
(وكان) الأمر معجزة لموسى (عليه السلام).
القبور مختلفة فى الباطن:
والقبور وإن تساوت فى الظاهر فهى مختلفة الأحوال فى الباطن. وقد ورد أيضا: «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار» فهو للمؤمنين الذين سبقت لهم من الله الحسنى نعيم وراحة ولمن ختم له بالشقاوة عذاب ومحنة.
من أسماء القبر:
(والقبر) له أسماء (أحدها) الرمس (الثانى) الجدث (الثالث) الجدف (الرابع) البيت (الخامس) الضريح (السادس) الرمم (السابع) الرجمة (الثامن) البلد (التاسع) الجبان (العاشر) الحاموصد (الحادى عشر) الدمس بالدال المهملة (الثانى عشر) المهاد.
مصيبة الموت وترك العمل أعظم مصيبة:
واعلم أن الموت من أعظم المصائب وسماه الله تعالى مصيبة فى قوله تبارك وتعالى «فأصابتكم مصيبة الموت» (1) فالموت هو المصيبة العظمى والرزية الكبرى، وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكر فيه وترك العمل له.
صفحه ۱۲
واعلم أن العبد إذا كان الغالب عليه الخوف فى حال الصحة والرجاء فى حال المرض كان ملطوفا به وأن الحب فى الله وصحة الصحبة فى الله يرجى لصاحبهما الخير فى الدنيا والآخرة.
حكايات للموعظة:
وقد حكى فى المعنى الشيخ الصالح العارف عز الدين بن غانم المقدسى فى كتابه المسمى «بأفراد الأحد عن أفراد الصمد» أن صبيين اصطحبا فى مكتب الحساب أحدهما مسلم والآخر نصرانى وصحت بينهما الصحبة وصفت لهما المحبة إلى أن كبرا وخرجا من المكتب، وكل واحد منهما على دينه ، ثم إن المسلم مرض واشتد عليه المرض فعاده النصرانى فرآه يجود بنفسه فجلس عند رأسه ينظر إليه ويبكى أسفا عليه فلما رآه المسلم يبكى رق قلبه إليه وبكى وقال يا فلان: ادع الله تعالى أن يغفر لى فقال له النصرانى:
وكيف يسمع دعائى وأنا على غير دينك، فقال المسلم: بلى فإنه قد رق لى قلبك وصفى سرك، وجرى دمعك والدمعة تطفىء غضب الرب عز وجل وتمحو عظائم الذنوب، قال فرفع النصرانى يده يدعو له بالمغفرة ثم انصرف من عنده فمات المسلم من يومه فرآه والده فى تلك الليلة فى المنام، فقال يا بنى ما فعل الله بك قال، يا أبت غفر الله سبحانه وتعالى لى بدعوة صاحبي النصرانى، قال فلما أصبح أبوه انطلق إلى النصرانى وتشكر له وأخبره بما رآه فى نومه وحدثه بحديث ولده له وأنه قد رأى قصرا عظيما لا توصف حيطانه إلى جانب قصر ولده، فقال له لمن هذا؟ قال له: لصاحبي النصرانى، قال فلما حدثه تبسم وقال له امسك عليك فإنى الليلة كنت عنده وتسلمت مفاتيح القصر، قال له بماذا؟ قال بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
صفحه ۱۳
الله، قال ثم إنه دخل إلى منزله وتشهد ومات فغسلناه وكفناه ودفناه إلى جانب صاحبه فلما جاء الناس فى اليوم الثانى لزيارتهما إذا هم بشجرة قد نبتت من قبرهما ومكتوب على أوراقها بقلم القدرة «الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين» (1) جعلنا الله سبحانه وتعالى منهم بمنه وكرمه آمين (2).
شهادة للحسن البصرى:
وقالت أم يونس القطان رأيت الحسن البصرى رحمة الله عليه فى جنازة نوار امرأة الفرزدق
ندمت ندامة الكسعى لما
غدت منى مطلقة نوار
(3) قد اعتم بعمامة سوداء وقد أسدلها بين كتفيه واجتمع الناس ينظرون إليه، فجاء الفرزدق يمشى حتى قام بين يديه فقال يا أبا سعيد يزعم الناس أنه قد اجتمع فى هذه الجنازة خير الناس وشر الناس فقال الحسن: من خير الناس وشر الناس؟ قال يزعمون أنك خيرهم وأنى شرهم، فقال الحسن ما أنا بخير الناس ولا أنت بشرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم؟ فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله سبعين سنة، قال فقال الحسن: نعم والله العدة، ثم قال الفرزدق:
ندمت ندامة الكسعى لما
غدت منى مطلقة نوار
صفحه ۱۴
أخاف ورود القبر إن لم تعافنى
أشد من القبر المهاب وأضيقا
إذا جاءنى يوم القيامة قائد
وسواقه قصدا يسوق الفرزدقا
«باب فى ابتداء ذكر الزيارة»
ابتدأ الشيخ شمس الدين الأزهرى من مشهد السيدة نفيسة رضى الله تبارك وتعالى عنها وابتدأ جماعة ممن كان قبله من طريق معنى (1) من درب الصفا وابتدأ صاحب كتاب المصباح (2) من مشهد الحسين من داخل القاهرة.
وابتدأ الشيخ أبو الفتح محمد بن خليل المعروف بابن الغير من عند مسجد خارج القاهرة يعرف بمسجد التبرير عند العامة وهو خطأ وإنما هو مسجد تبر قريب من المطرية (وتبر) (3) بانى هذا المسجد كان من أكابر الأمراء فى أيام كافور الأخشيدى.
صفحه ۱۵
قصة دفن رأس السيد ابراهيم المفرس:
وهذا المسجد مدفون به رأس السيد إبراهيم المفرس بن عبد الله المحض ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام على بن أبى طالب رضى الله تبارك وتعالى عنه وكان أرسلها الخليفة المنصور إلى مصر فنصبت فى المسجد الجامع العتيق بمصر فى ذى الحجة سنة خمس وأربعين ومائة وهذه الخطة التى دفن بها الرأس الشريف خطة قديمة البركة والآثار، بها المطرية وهى قرية فيها البستان الذى يزرع فيه البلسان ويستخرج منه دهن خاصيته عظيمة لجبر الكسر، وغيره وخاصيته فى ماء البئر التي بالبستان يقال إن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام اغتسل منها وهناك أيضا:
مدينة عين شمس:
(عين شمس) قريبة منها، بها آثار عجيبة وصور السباع وبها عمد يقال لها مسلة فرعون من الحجر الماتع.
صفحه ۱۶
قال ابن زولاق الليثي فى تاريخه عن مدينة عين شمس وهى هيكل الشمس وعجائبها وملاعبها وأبنيتها وفيها العمودان اللذان لم ير أعجب منهما ولا من شأنهما، وأنهما محمولان على وجه الأرض ليس لهما أساس، وطولهما فى السماء خمسون ذراعا فيهما صورة إنسان على دابة وعلى رأسهما صومعتان من نحاس، وإذا جرى النيل قطر من رأسهما ماء.
المقوقس وقصة مدينة عين شمس:
قال الواقدى إن المقوقس بن راعيل (1): صاحب مصر كان تلميذا الحكيم اعتامود وكان فى زمنه حكيم اسمه عطلوس وهو الذى عمل دواليب الريح وغير ذلك. وكان قد اطلع على حكم وأسرار منها أن الله سبحانه وتعالى يبعث نبيا من أرض تهامة، من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام وتطيعه العباد، فعمل فى أيام راعيل رصدا على جسر عظيم من الرخام متوج بالنحاس بقرية تعرف بعين شمس وجعل فيه بأعلى الأعمدة التى هناك أشخاصا مجوفة، وجعل وجوهها مما يلى مصر وكتب عليها إذا دارت هذه الأشخاص وجوهها مما يلى الحجاز فقد قرب ملك العرب.
فبينما المقوقس راكبا فى بعض الأيام لصيده وقنصه وذلك فى وقت هجرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقد انتهى به مسيره إلى عين شمس وإذا
صفحه ۱۷
بالأصوات قد علت من تلك الأشخاص وقد حولت وجوهها إلى نحو الحجاز فأيقن المقوقس بهلاك ملكه، فعاد وهو قلق لذلك ودخل قصر الشمع، وجمع قسوس النصرانية وبنى المعمودية.
خطبة المقوقس فى قصر الشمع:
يبشر برسول الله (صلى الله عليه وسلم):
وقال: (اعلموا أن ملككم قد مضى، وزمانكم قد انقضى، وهذا النبي المبعوث لا شك فيه وهو آخر الأنبياء لا نبي بعده وقد بعث بالرعب.
ولا بد لهذا الرجل أن يملك ما تحت سريرى هذا، فانظروا فى ملككم وأصلحوا ذات بينكم ولا تجوروا فى الأحكام، وواسوا ضعفاءكم، وإياكم واتباع الظلم، فإن الظلم وبيل، وموقعه وخيم فأعطوا الحق على أنفسكم ولا يستطل قويكم على ضعيفكم، فمادامت الدنيا لأحد قبلكم، كذلك يأخذها منكم من يأتى بعدكم) اه فقد ظهر أن هذه الخطة قديمة.
وقيل تعرف هذه الخطة طولا وعرضا بخندق الموالى ظاهر الحسينية.
وقال الحافظ أبو الحسن أحمد ابن الحسن الخوارزمى فى كتنب الجفر:
عين شمس ومنف قريتان قديمتان:
إن عين شمس ومنف هما قريتان قد خربتا كل واحدة منهما من الفسطاط على غربيه فعين شمس من شمال الفسطاط ومنف من جنوب الفسطاط.
ويقال إنهما كانت مسلتين لفرعون وعلى رأس الجبل الملطم فى قبلته مكان يعرف بتنور فرعون.
صفحه ۱۸
وصف المدينتين:
ويقال إنه كان إذا خرج أحد من هذين الموضعين يوقد فيقف فى المكان الآخر ما يعدله عن مسيره وذكر بالعمودين اللذين بهما وأنه يرشح من رأسهما ماء يجرى إلى أسفلهما فينبت منه العوسج وغيره.
وقد اختصرنا من أخبار هذه الخطة أكثر مما ذكرنا خشية الإطالة.
وأمر هذين العمودين من عجائب الدنيا بمصر وأعجب منهما بناء الأهرام.
بين الجيزة والأهرام:
قال الحافظ شهاب الدين بن أبى حجلة فى كتاب السكردان عن الحافظ الشريشى فى شرح المقامات: إن بين الجيزة والأهرام سبعة أميال والميل ألف باع والباع أربعة أذرع والذراع أربعة وعشرون إصبعا والإصبع ست شعيرات توضع بطن هذه لظهر هذه، والشعيرة ست شعرات من ذنب بغل، والفرسخ ثلاثة أميال والبريد أربعة فراسخ.
وصف الهرمين:
قال المسعودى: طول كل واحد من الهرمين وعرضه أربعمائة ذراع وأساسهما فى الأرض مثل طولهما فى العلو وكل هرم منهما سبع بيوت على عدد الكواكب السيارة كل كوكب له بيت باسمه.
وقال الحافظ أبو الحسن أحمد الخوارزمى فى الجفر:
شعر فى الأهرام:
أنشد أبو البركات بن ظافر بن عساكر الأنصارى فى الأهرام لنفسه فقال:
نظرت أهرام مصر من جوانبها
بأرض رمل على نشز من الكثب
أنكرت فيها وفى مقصود منشئها
إذ صاغها صيغة من أعجب العجب
صفحه ۱۹
أجانبى حالها عنها مخاطبة
أمالكى مصر من عجم ومن عرب
عجزتمو عن بنا مثلى بأجمعكم
ولو بذلتم قناطيرا من الذهب
خطة الريدانية وخليج الزعفران:
ثم نقصد بعد هذه الخطة إلى (خطة الريدانية (1) وخليج الزعفران)
صفحه ۲۰
(وهذه) الخطة فيها جماعة كثيرة من الصالحين والشهداء والغرباء من دفتى البيمارستان.
ومن جملة المدفونين هناك الشيخ (طلحة) والشيخ (أبو النور) والشيخ (عرفات الأنصارى) كان من العارفين (وقبر) الشيخ الصالح العارف (محمد بن الحسن الأوسى) مشهور بصلاحه (والريدانية) منسوبة إلى ريدان الصقلى أحد خدام الخليفة العزيز بالله.
ومن هذا الخط تدخل خطة:
طائفة الأشراف الحسينيون:
الحسينية وهى حارة كبيرة جدا عرفت بطائفة من الإشراف يقال لهم (الحسينيون) قدموا من الحجاز فى أيام الكاملية فنزلوا خارج (باب النصر) واستوطنوها وبنوا بها مدابغ صنعوا بها الأديم المشبه بالطائفى ثم كانت بعد ذلك سكنا لأرباب الدولة وأعيان الأمراه والجند وهى الآن خراب وليس المقصود ذكر هذا وإنما المقصود ذكر الأولياء.
ذكر مقابر الأولياء بالريدانية:
ففى تلك الحومة زاوية الشيخ الصالح العارف (أبى الحسن على التركمانى) وغيره وبها قبر الشيخ الصالح المجذوب (عبد الغنى بن بدر القبانى) ببولاق كان توفى يوم الإثنين حادى عشر جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وثمانمائة وكان معتقدا.
وبها قبر الشيخ المعمر (على أبو الحسن الحداد) وبها جماعة أخر.
ثم تقصد السوق وتجد به دربا بداخله قبر الشيخ الصالح (ناصر الدين صدقة) عرف بسواد العين أشيع عنه أنه كان يصلى الخمس بمكة المشرفة،
صفحه ۲۱
وممن أخبر عنه بذلك أمير مكة المشرفة الشريف رميثة، ومات حين أخبر عنه بذلك- (رحمه الله) تبارك وتعالى: وهناك تربة بها قبر الشيخ أبى عبد الله محمد بن الأنجبى.
وهناك تربة بها قبر شيخ المشايخ صاحب القدر والمحل سلطان طريق الفتوة علاء الدين على بن الأمير ناصر الدين المؤنسى كان له أصحاب كثيرة وكلمة نافدة فى سائر البلاد الإسلامية وكان كتابه حيث حل مقبولا معمولا به، وكان له رفعة عظيمة عند الخاص والعام حتى عند أمير المؤمنين.
سلطان طريق الفتوة وقصته مع الخليفة الناصر:
وكان ابتداء هذا الأمر.
أعنى الفتوة فى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وذلك أن ندماء الخليفة الناصر لدين الله أبى العباس أحمد بن المستضىء بأمر الله أبى محمد بن الحسن ابن الإمام المستنجد بالله العباسى ببغداد، حسنوا له أن يكون فتى وأحضروا له رجلا يعرف بعبد الجبار بن يوسف بن صالح له أتباع كثيرة ومعه ولده شمس الدين فقرر الاجتماع ببستان مقابل التاج.
ثم حضر عبد الجبار وابنه على، وصهره يوسف العقاب وندمان الخليفة وألبس عبد الجبار الخليفة سراويل الفتوة وأخبره أنه لبسها من شيخ ثم وثم إلى على بن أبى طالب رضى الله تبارك وتعالى عنه.
وفاة الأمير علاء الدين المؤنسى:
وقد توفى الأمير علاء الدين المؤنسى فى يوم السبت سلخ ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة (رحمه الله) تبارك وتعالى، وخلف درب الشيخ صدقة سواد العين وأنت طالب تربة سيدى حسين الجاكى تجد حوشا خرابا به قبر
صفحه ۲۲