تحفة الأعيان لنور الدين السالمي
تحفة الأعيان لنور الدين السالمي
ژانرها
قالوا إن المسلمين في عصر الصحابة لم يقبلوا من الطلبة بدم عثمان إلا الرجوع عن ذلك والبراءة من عثمان وتصويب المسلمين على خلعه وعزله.
قلنا أن الصحابة لم يدعو الناس إلى البراءة من عثمان إلا بعد اشتهار أحداثه بين الخاص والعام؛ فحكم فيها المسلمون بأنها مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وطلبوا منه الرجوع إلى الحق مرارا فكان يتوب ويرجع حتى طلبوا منه الاعتزال فأبى وأحاطوا به ليعتزل فكان من قدر الله عليه أن قتل , ثم أن فريقا من الناس قاموا في طلب دمه بعد ظهور ذلك منه وحكم المسلمين عليه وما طلبوا بدم عثمان , وإنما طلبوا الملك والدولة وتستروا عند العوام بقولهم نطلب بدم الإمام , فكانت بذلك فرقة عظيمة فالطالبون بدم عثمان يتولونه على أحداثه ويبرؤون من المسلمين على قيامهم عليه وعلى حكمهم عليه بحكم الله , فمن هناك لم يعذروا أهل تلك الفتنة إلا البراءة من عثمان وأشياعه وبعد انقراض تلك الفتن وذهاب تلك الأمم لم يلزموا الناس أن يحكموا في أمر عثمان وأشياعه بحكم إلا من بلغه العلم القاطع بحدثهم وعرف الحكم في ذلك فإنه يلزمه أن يحكم فيهم بحكم الله لأداء الواجب من فرض البراءة , وأما الجاهل بحدثهم وحكم حدثهم فلا يلزمه منه شيء وإنما يلزمه أن يتولى المسلمين على ولايتهم لمن تولوا وبراءتهم ممن برؤوا , وهؤلاء الغلاة ألزموا الناس البراءة من موسى وراشد بعد مضي ثلاثة قرون , فحكمهم في ذلك مخالف قطعا لحكم المسلمين في أشياع عثمان , لأن المسلمين يعذرون الجاهل بعد انقراض المحدثين ويسعون لهم في الوقوف ما لم يتولهم أو يعرفوا الحكم فيهم , وهؤلاء يلزمون الجاهل البراءة من موسى وراشد بعد انقراض ثلاثة قرون وأن جهلوا الحكم فيهم.
صفحه ۱۸۵