قال المنصور بالله عليه السلام في الشافي ما معناه: أن معنى الإيجاب على الله، الإخبار بواجب حكمته تعالى بمعنى أن الحكمة تقتضي ذلك لا الإيجاب الذي هو الإلزام، لأنه متفرع على علو منزلة الموجب على الموجب عليه. انتهى وقد ذكر بعض الآل أن الأولى تجنب لفظ الوجوب على الله لإيهام التكليف ومراعاة لحق الأدب في حق ملك الملوك مع الاتفاق على عدم تخلف الوعد وأن الله يحب الأرجح ويرضاه له فعلا ولعبده ولا يحب المرجوح ولا يرضاه، وقد علم أن مقتضى الحكمة تقتضي الوجوب والذي يظهر أن كلا من القولين حسن، لا من الجهتين إذ في الثاني: إيهام جواز الخلف في الوعد والوعيد، وأن الحكمة تقضي جوازا بالمرجوح الممنوع إتفاقا ولعل الهادي عليه السلام ومن وافقه قابلوا بهذا الإطلاق ما لهج به الخصوم من ألفاظ الأرجاء المذموم، والله أعلم. فأما وجوب اللطف بمعنى التمكين فهو الذي تقتضيه الحكمة وإلا لزم تكليف مالا يطاق، قال تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون}، وقال : {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، وقال: {أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين}(1)، فلا يقال إن الاخلال بالتمكين حسن مع بقاء التكليف، وأما بمعنى العصمه والتوفيق فتفضل من الله سبحانه. قال في الجامع الكافي عن محمد بن منصور رحمه الله ولله أن يمن على من يشاء من عباده، ويتفضل عليه بتوفيقه ويهديه، قال تعالى: {يختص برحمته من يشاء}، وقال: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين}، وقوله: {ما زكى منكم من أحد أبدا} هذا وكم لبعض النظار من الأبحاث الدقيقة التي مأخذها أقرب إلى الخفاء في الحظ(2) من عبارة الهادي عليه السلام ولو أمعنوا النظر في معنى كلامه عليه السلام لأراحوا أنظارهم من الاعتراض على ذلك الإمام، ألا ترى كلامه في البالغ المدرك، قال فيه عليه السلام: فلما تصرمت أعمال المطيعين ولم يثابوا وانقطعت آجال العاصين ولم يعاقبوا وجب على قود التوحيد وأطراد الحكمة أن دارا غير هذه الدار يثاب فيها المطيعون ويعاقب فيها المسيئون. انتهى بحروفه.
صفحه ۲۴