(قلنا: الحاجة إلى الجمع) بينهما (فرع ظهور التنافي بينهما) وهو المطلوب ولكن (لاتنافي بعد تسليم الاختيار) كما يستلزمه إثبات الرسل (وكونه ضروريا) أي الاختيار (بالفرق بين حركة الصاعد والساقط وكون الجبر إستدلاليا) بإثبات الألاهيات (والاستدلال لا يقابل الضرورة البديهية وضرورة إختيار الصاعد بديهية) وربما يقال ضرورة الجبر متعلقة بنحو حركة الساقط واستدلالية بنحو حركة الصاعد فليس الضروري منهما باستدلالي ولا العكس فلا استدلال هنا في مقابل الضرورة فيجاب بأن الاختيار في حركة الصاعد ضروري فلا يصح الاستدلال بها على الجبر كما لا يصح الاستدلال في حركة الساقط على الاختيار لكن لا يخفى أن عدم مقابلة الاستدلال للضرورة إنما هو في الضرورة البديهية، أما في الاستدلالية فيقابله والخصم يمنع بداهة الاختيار في حركة الصاعد.
قلت: بل اختيار الصاعد وكل عمل مقرون باللذة عقلية أو بدنية ينافي الجبر الذي بمعنى الإكراه ضرورة بديهية كما في الأصل.
(قالوا): قال تعالى : {لمن شاء منكم أن يستقيم} ({وما تشاؤن إلا أن يشاء الله} فالاستقامه بالمشيتين وهو معنى تركب العلة) في التأثير.
(قلنا): ذلك مبني على أن متعلق المشيتين هو الاستقامة ونحوها وهو ممنوع بل (المعنى وما يحدث لكم مشية إلا أن يشاء الله أن تشاؤوا) أي أن تكون لكم مشيئة واختيار (فمتعلق المشيتين هو مشية العباد واختيارهم لا إكراههم) وهذا صرح به أكابر قدماء أئمتنا عليهم السلام، حيث قالوا أن الله يشاء أن يكون العباد مختارين لتقوم عليهم الحجة، ولم يشاء مختارهم إذا كان معصية، وأما الطاعة فيشاءها منهم مع أن الإرادة لا تتعلق بفعل الغير كما سيأتي.
(قال سبحانه: {لا إكراه في الدين}) {قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر الطاغوت ويؤمن بالله} فنسب الكفر والإيمان إلى العباد، وأما مشية العباد فإنها فعل الله وخلقه كالقدرة والله أعلم.
صفحه ۱۵