الماء واحتمله، حتى مر به على دار فرعون، فالتقطه الجواري فاحتملنه، فذهبن به إلى امرأة فرعون، ولا يدرين ما فيه، وخشين أن يفتتن عليها في فتحة دونها. فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه، فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه، وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعلها» (١).
قال الشيخ السعدي ﵀: «فهذه الأمور كلها، قد تعلقت بها إرادة الله، وجرت بها مشيئته، وإذا أراد أمرًا سهل أسبابه، ونهج طرقه، وهذا الأمر كذلك، فإنه قدر وأجرى من الأسباب - التي لم يشعر بها لا أولياؤه ولا أعداؤه - ما هو سبب موصل إلى هذا المقصود.
فأول ذلك، لما أوجد الله رسوله موسى ﵇ الذي جعل استنقاذ هذا الشعب الإسرائيلي على يديه وبسببه، وكان في وقت تلك المخافة العظيمة، التي يذبحون بها الأبناء، أوحى إلى أمه أن ترضعه، ويمكث عندها.
﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾ بأن أحسست أحدًا تخافين عليه منه أن يوصله إليهم، ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ أي نيل مصر، في وسط تابوت مغلق، ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ فبشرها بأنه سيرده عليها، وأنه سيكبر ويسلم من كيدهم، ويجعله الله رسولًا وهذا من أعظم البشائر الجليلة، وتقديم هذه البشارة لأم موسى، ليطمئن قلبها، ويسكن روعها، فإنها خافت عليه، وفعلت ما أمرت به، ألقته في اليم، فساقه الله تعالى» (٢).
ومن النماذج أيضًا التي تدل على الثقة بما وعد الله به عباده الصالحين ما كان من هاجر ﵍ فعن سعيد بن جبير ﵀ قال عبد الله بن عباس ﵄: «أوَّل ما اتَّخذ النساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل اتَّخذت منطقًا لتعفي أثرها على سارة ثمَّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه فوضعهما
(١) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، ٦/ ٢٢١.
(٢) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: د. عبد الرحمن بن معلا اللويحق، ص ٦١٢.