Trojan Horse: The Intellectual Raid on the Sunni Lands

عمرو كامل عمر d. Unknown

Trojan Horse: The Intellectual Raid on the Sunni Lands

حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

ناشر

دار القمري

شماره نسخه

الثانية

سال انتشار

١٤٣٥ هـ - ٢٠١٤ م

ژانرها

الطبعة الأولى ١٤٣٢ هـ / ٢٠١١ م الطبعة الثانية ١٤٣٥ هـ / ٢٠١٤ م رقم الإيداع بدار الكتب المصرية ٢٧٩٣/ ٢٠١١ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف، ولا يحق لأحد إعادة طبع الكتاب أو نشره بأي وسيلة كانت إلا بموافقة خطية من المؤلف، ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية.

1 / 1

مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف حفظه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد قرأت الكتاب الموسوم بـ "حصان طروادة" لمصنفه الدكتور عمرو كامل - حفظه الله تعالى -، فوجدته كتابًا نافعًا ماتعًا، مليئًا بالأخبار والدقائق، فاستفدت منه أمرين: الأول: المراجعةَ لما كنت قد قرأته منذ زمن بعيد وأُنسيته مما عدا عليه الزمان، وطواه مَرّ الليالي والأيام، وكرور الشهور والأعوام. الآخر: علمًا جديدًا لم يكن لي به عهد من قبل، وتفاصيلَ دقيقةً أقفُ على كثير منها لأول مرة - وإن كنتُ قد عرفت طرفًا منها موجزًا - ساقها المصنف على وجه متتابع آخذٍ بعضه بحُجُز بعض، فلا يكاد القارئ ينفك من حادثة إلا وتَفجؤه أخرى. أعداء الإسلام، وتدرج تاريخيٌّ في عرض صور الكَيد والمكر منذ زمن بعيد إلى يوم الناس هذا. ولذلك كله، أُوصِي المصنفَ بالعناية بهذا الكتاب باختصاره قليلًا؛ ليكون أقرب للقراءة، وأدعى للفهم، فنحن في مُدة صعبة يَقِلّ فيها الحريصون على القراءة الطويلة، بل يَندرون.

1 / 5

والكتاب مهم، ونظرُ النشءِ فيه واطلاعُهم على تفصيلاته أمرٌ مطلوبٌ؛ فلذلك كان اختصارُه وتقليلُ صفحاته أمرًا مطلوبًا، وقد ذكرت هذا للأخ المصنف فعساه أن ينظر في هذا الأمر المهم. واختصار الكتاب يَجعله صالحًا لأن يكون مَرجعًا في الحلقات التربوية، واللقاءات الثقافية، والرحلات والمخيمات، فمهما استطاع المصنفُ تيسيرَ إيصال الكتاب إلى مختلف طبقات الناس؛ فليفعلْ مشكورًا مأجورًا إن شاء الله تعالى. هذا والله أعلم وأحكم، وصلِّ اللهمَّ وسلمْ على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين. وكتبه محمد بن موسى الشريف ٢٩ شوال ١٤٣٣ ١٦ سبتمبر ٢٠١٢م

1 / 6

تعقيب الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه الكرام الطيبين، وبعدُ: فبين يديِ القارئ الكريم الطبعةُ الجديدة من كتاب (حصان طروادة: الغارة الفكرية على الديار السُّنِّية)، وهي طبعة منقحة ومراجعة، وأرتضيها للقارئ أكثر من الأولى. وقد تفضلَت "دار العفاني" مشكورة بنشر الطبعة الأولى من الكتاب، ولقد سعيتُ جاهدًا في تهذيبها واختصارها؛ تلبيةً لنصيحة الحبيب الدكتور محمد بن موسى الشريف - حفظه الله تعالى - ولكن أراني قد خيبتُ أمله في ذلك؛ فقد كان الغرضُ منه أن يكون بحثًا مَرجعًا في هذا الباب، وهذا رأيته يَتطلبُ بعضَ الإسهاب والتوسعَ، فأسأل الله تعالى التيسيرَ والتوفيقَ والسدادَ والقبول، وأن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك ومولاه. وكتبه عمرو كامل عمر الاثنين ١٣ صفَر ١٤٣٥هـ ١٦ ديسمبر ٢٠١٣م

1 / 7

﴿مقدمة المؤلف﴾ إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ (١) ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٢) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُّطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (٣) أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد .. «فقد بعث الله ﷾ محمدًا ﷺ إلى الخلق على فترة من الرسل، وقد "مقت أهل الأرض، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب" (٤) ماتوا - أو أكثرهم - قبيل مبعثه.

(١) آل عمران: ١٠٢ (٢) النساء: ١ (٣) الأحزاب: ٧٠ - ٧١ (٤) الحديث رواه مسلم (٢٠٤ - ٢٦١هـ)، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها: ٢٨٦٥، من حديث العِياض بن حِمار المُجاشِعي ﵁. وقال النووي ﵀ (٦٣١ - ٦٧٦هـ) في شرحه: «والمراد ببقايا أهل الكتاب الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل» [شرح النووي على صحيح مسلم (١٧/ ١٩٨)]. وللمهندس فاضل سليمان رسالة ماچيستير كبيرة النفع، يكشف فيها زيف ادعاء المؤرخين الذين روجوا لهذه البقايا من أهل الكتاب على أنهم (هراطقة آريوسيين)، وهم في حقيقة الأمر طائفة من النصارى الموحدين، يُنسبون لآريوس Arius كاهن كنيسة بوكلى بالإسكندرية (٢٥٦ - ٣٣٦م). وفي بحثه القيم ينقل عن الباحث اللاهوتي الإنجليزي موريس وايلز (١٩٢٩ - ٢٠٠٥م) قوله العجيب: «عزل الآريوسيين للعيش في مجتمعات منفصلة ومهمشة، ويكشف (الكاتب) عن خصائص عقلية هؤلاء المرحَّلين للعيش في جيتو Ghetto ويواسون أنفسهم على سوء حظهم الاجتماعي بالنظر إلى أنفسهم على أنهم بقايا المؤمنين في عالم مادي» [انظر، فاضل سليمان: أقباط مسلمون قبل محمد ﷺ، ص (٩٣)، نقلًا عن: الهرطقات المتعلقة بالنماذج الأصلية (أو التوراتية)، الآريوسية عبر العصور، لموريس وايلز، ص (٤٠). Maurice Wiles: Archetypal Heresy، Arianism Through the Centuries]، و(الكاتب) الذي يقصده وايلز هو أحد الآريوسيين الذين عاشوا في مطلع القرن الخامس الميلادي، وكتابه هو شرح لإنجيل متَّى يعرف باسم Opus Imperfectum [انظر: وايلز، ص (٣٨)] .. وقد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي ﵀ (٢٣٩ - ٣٢١هـ) في عرض حديثه عن الآريوسيين: «وجاز بذلك أن تكون هذه الفرقة التي ذكرها رسول الله ﷺ في حديث عياض بن حمار» اهـ[الطحاوي: شرح مشكل الآثار (٥/ ٢٣٢)].

1 / 9

والناس إذ ذاك أحد رجلين: إما كتابي معتصم بكتاب: إما مبدَّل، وإما مبدَّل منسوخ، ودين دارس (١)، بعضه مجهول، وبعضه متروك .. وإما أمِّي من عربي وعجمي، مقبل على عبادة ما استحسنه وظن أنه ينفعه من نجم أو وثن، أو قبر، أو تمثال، أو غير ذلك. والناس في جاهلية جهلاء، من مقالات يظنونها علمًا وهي جهل، وأعمال يحسبونها صلاحًا وهي فساد، وغاية البارع منهم علمًا وعملًا أن يُحَصِّل قليلًا من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين، قد اشتبه عليهم حقه بباطله، أو يشتغل بعمل القليل منه مشروع، وأكثره مبتدَع لا يكاد يؤثر في صلاحه إلا قليلًا، أو أن يكدح بنظره كدح المتفلسفة، فتذوب مهجته في الأمور الطبيعية والرياضية، وإصلاح الأخلاق، حتى يصل - إن وصل - بعد الجهد الذي لا يوصف، إلى نزر قليل مضطرب، لا يروي ولا يشفي من العلم الإلهي، باطله أضعاف حقه - إن حصل - وأنَّى له ذلك مع كثرة الاختلاف بين أهله، والاضطراب وتعذر الأدلة عليه والأسباب. فهدى الله الناس ببركة نبوة محمد ﷺ وبما جاء به من البينات والهدى، هداية جلت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين عمومًا، ولأولي العلم منهم خصوصًا، من العلم النافع، والعمل الصالح، والأخلاق العظيمة، والسنن المستقيمة، ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علمًا وعملًا، الخالصة من كل شوب، إلى الحكمة التي بعث بها، لتفاوتا تفاوتًا يمنع معرفة قدر النسبة بينهما، فلله الحمد كما يحب ربنا ويرضى» (٢).

(١) أي مندثر. (٢) من كلام شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ﵀ (٦٦١ - ٧٢٨هـ)، انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، ص (٨ - ٩).

1 / 10

قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ (١). وقال ﷿: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (٢). وقال ﷻ مخاطبًا نبيه ﷺ: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾ (٣). ... وبعد، فإنه لما اجتاح الإسكندر الأكبر Alexander the Great (٣٥٦ - ٣٢٣ ق. م) بلاد الشرق، فارس والهند ومصر، كتب له أستاذه أرسطو Aristotle (٣٨٤ - ٣٢٢ ق. م) ينهاه عن هذا الغزو؛ لأن من شأنه القضاء على تميز الجنس اليوناني حين يحتك اليونانيون بالشرقيين. ولكن جاءه رد الإسكندر قائلًا إنه يغزو الشرق «لأجل أن يجعل الثقافة والفكر اليونانيين هما فكر العالم وثقافته» اهـ. فحينما تدبرت هذه الرواية، لاحت في خاطري حقائق ومسائل .. الأولى: هي أنه عند التأمل في سنن الله تعالى في خلقه، تجد ميلًا إنسانيًا غير محدود إلى ما اصطُلِح على تسميته بالعولمة Globalization وتوسيع النفوذ وبسط السلطان، وتجد أحلامًا فطرية بالحركة في عالم واحد بعيد عن الحدود والقيود، حالت الحقائق الجغرافية وتباين الثقافات والمصالح دون تحقيقها، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم﴾ (٤)، وذلك من إرادته الكونية القدرية: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ (٥). والثانية: هي أن الشارع الحكيم ﷻ بحكمته وإرادته الدينية الشرعية حضنا على الوحدة وعدم الاختلاف، فقال ﷿: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾ (٦)، بل جعل الاختلاف من صفات غير المرحومين، وذلك في قوله تعالى:

(١) آل عمران: ١٦٤ (٢) المائدة: ١٩ (٣) هود: ١١٢ - ١١٣ (٤) المائدة: ٤٨ (٥) الأنبياء: ٢٣ (٦) آل عمران: ١٠٣

1 / 11

﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾ (١)، وأوجب علينا كأفراد اتِّباع الشرع والإيمان بالقدر، وليس ترك الشرع والاحتجاج بالقدر. وعند استحضار هذين الأمرين تتبين لك حكمة الخالق ﵎ من وضعه هذه الغريزة في الإنسان، ثم ترشيدها بتوظيفها في غاية عليا وهي وظيفة (التبليغ عن الله)، والتي منها كانت بعثة الرسل والرسالات. حتى تُوِّجَت هذه الوظيفة في رسالة خاتم الأنبياء محمد ﷺ، وأُخْرِجَت من الخصوص إلى العموم بقول الله جل وعلا: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ (٢)، وبقوله تعالى لرسوله ﷺ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ (٣)، وأُطِّرَت هذه الوظيفة بإطار الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله، بل جُعِلَ هذا الإطار هو الحد الشرعي للاتفاق والاختلاف بين البشر. أما الثالثة: فهي أن الحق واحد لا يتجزأ، والباطل ظلمات بعضها فوق بعض: ﴿هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾ (٤). والرابعة: أن الله ﵎ قضى بانقسام البشر إلى فريقين: مؤمن وكافر: ﴿وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ (٥)، وقد جعل الأرض دارًا يتقاسمها ويتعايش فيها الفريقان، وجعل الأيام بينهما دولًا، حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، ويُسكِن كلاهما داره الأبدية: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ (٦)، جزاء بما قدمت أيديهم، وأن الله ليس بظلام للعبيد؛ فلقد هدى الله تعالى الإنسان السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا، وأخبر بأنه: ﴿مَن أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ (٧).

(١) هود: ١١٨ - ١١٩. فائدة: يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين ﵀ (١٣٤٧ - ١٤٢١هـ): «أما حديث: اختلاف أمتي رحمة، فهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي ﷺ، لأن الله تعالى يقول: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١١٨ - ١١٩]، فجعل الله ﷿ الاختلاف من صفة غير المرحومين، فالأمة لا يمكن أن تختلف، بل رحمة بها ألا تختلف، لا أقول: لا تختلف أقوالها، فإن الأقوال قد تختلف، لكن لا تختلف قلوبها» اهـ. [ابن عثيمين: تعاون الدعاة وأثره في المجتمع، ص (٣٨)]. (٢) آل عمران: ١١٠ (٣) الأعراف: ١٥٨ (٤) الرعد: ١٦ (٥) الأنعام: ٣٥ (٦) الشورى: ٧ (٧) الليل: ٥ - ١٠

1 / 12

والخامسة: أن الخطوط العريضة التي قام عليها الصراع الأزلي تأسست على قول المولى ﷿: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (١). وعند استحضار مشهد الصراع القديم وتبعاته بين القوى العظمى الثلاثة: (الرومية/النصرانية)، و(الفارسية/المجوسية)، و(العربية/الإسلامية)، تجد مصداق هذه الحقائق مجتمعة؛ حتى وإن ضاقت هذه الدوائر الثلاثة الكبرى تجد نفس الحقائق تتجلى في دوائر (طائفية) داخلية صغرى .. فدل ذلك على أن السلوك الإنساني العولمي الفطري يدفعه محرك ثقافي هُوِيَّاتي في المقام الأول، وكما يذكر العلامة أبو فهر ﵀ (١٣٢٧ - ١٤١٨هـ/١٩٠٩ - ١٩٩٧م)، فإن «رأس كل ثقافة هو الدين بمعناه العام» (٢)، والإنسان هو أحد رجلين: إما داع أو مدعو، ولذلك تجد أن الثقافة المفروضة هي ثقافة الغالب عادة. وحتى لما تمرد الإنسان الغربي وتحرر من السلطة الدينية المهيمنة عليه، المناقضة لصريح فطرة الإسلام التي فطر الله الناس عليها، وفصل دينه عن دنياه، وظل ماضيًا في طريقه سعيًا لتحقيق طموحاته التوسعية، وصارت له القوة والغلبة، طغى شرقًا وغربًا بفكره المتحرر من قيود الأخلاق والدين، داعيًا إلى ثقافة (السلام الإنساني) المشبوهة، بمصطلحاتها المائعة كالتقريب والتعايش والحوار وما شابه، وخارت له قوى كثيرة ودارت في فلكه على غير هدى، ولكنه في ظل دعوته تلك لم يتمكن من التخلص من شبح الصراع القديم الذي لا يزال يتسكع في لاشعوره، فلم ينفك الصراع عن صورته الأولى، ولكنه تنكر في ديباجة بيضاء، تحمل في طياتها صفحات دموية سوداء. والحديث ذو شجون، والمسألة أراها مركَّبة يشوبها بعض المتناقضات!؛ ففي الوقت الذي تجد فيه أصواتًا (غير مسلمة) تحذر من خطر الإعصار العولمي العَلْماني النفعي الكاسح، وتنادي بضرورة التمسك بالجذور الثقافية الدينية، تجد هذه الأصوات تجتمع مع ضدها لاقتلاع جذور الصحوة الإسلامية الصاعدة. ولكن سرعان ما ينجلي هذا التناقض حينما نراجع الحقائق السالفة، ونستوعب معنى (الأمم) في قول رسول الله ﷺ: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكَلَةُ إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن

(١) البروج: ٨ (٢) أبو فهر محمود شاكر: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص (٣١).

1 / 13

يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» (١)، فالإنسان جبل على حب السيادة، والكفر ملة واحدة. والذي أثار شجوني هو ما أشاهده من غفلة وانجراف إسلامي غير واع مع إعصار العولمة الكاسح. وحقيقة، فإن ما استثارني لنزول هذه الساحة وتسطير هذه الكلمات هو موقف التقى في ذهني مع اثنان أخر: والأول: كان في الثاني من إپريل عام ٢٠٠٥م، حينما هلك الپولندي كارول چوزيف فويتيالا Karol Jozef Wojtyla (١٩٢٠ - ٢٠٠٥ م)، الملقب بيوحنا پولس الثاني بابا الفاتيكان Pope John Paul II. فما زلت أذكر ما أبداه بعض دعاة المسلمين من بالغ مشاعر الحزن والأسى على داعية السلام الفريد، والدعاء له بالمغفرة والرحمة وقبول صالح الأعمال! بل وما عبرت به بعض الصحف عن موقف الدعاة بأنه «انعكاس للصورة الحقيقية لإسلامنا العظيم». فالتقى هذا الأمر في ذهني بآخر: وهو ما صار يروج إليه البعض من قول بأن عداءنا ليس مع اليهود، إنما هو فقط مع الصهاينة منهم؛ وهذا القول على إطلاقه غير مقبول، فقد نتفق معه من جانب ونعارضه من جانب آخر، وَندَع التفصيل إلى موضعه. ولكن الأدهى أنك تجد من بين المسلمين من يتجاوز هذه الدعوة ويرى تطبيع العلاقات مع الدولة الصهيونية اللقيطة ومسايرة الواقع وكأن شيئًا لم يحدث، وكأن الحل (الإسراطيني) لقيام دولتين أو العودة إلى (حدود ٦٧) هو النصر المبين. ونهاية الملتقى: كان مع ما تواتر على لسان بعض دعاة أهل السنة، خاصة بعد أحداث (الوعد الصادق)! (١٢/ ٧ - ١٥/ ٨/٢٠٠٦م) بين حزب (اللات) الرافضي والكيان الصهيوني، من قول: «أمازلنا نقول سنة وشيعة؟!». علمًا بأنه ليس مقام تعيين أحد بجرح أو تعديل، فهذا لا يكون لأمثالي، وقد قال

(١) رواه أبو داود (٢٠٢ - ٢٧٥هـ)، كتاب الملاحم: ٤٢٩٧، وصححه الألباني.

1 / 14

الإمام الذهبي ﵀ (٦٧٣ - ٧٤٨هـ) (١): «الكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع» اهـ. وأنا لست هذا أو ذاك، أسأل الله الستر والمغفرة، وعفا الله عن الجميع. ولكن، ولكي نحصر المسألة، فإن ما أثار حفيظتي هو أنه في ظل هذا الانجراف الإسلامي مع الإعصار العولمي العَلْماني الذي ضرب بشدته ديار أهل السنة - إلا ما رحم الله - تجد أنه لم يغفل عن هذا الخطر قطبا الصراع القديم؛ أعني الكيان الفاتيكاني القديم المتصدِّع، وأئمة الرفض أصحاب العمائم السوداء .. فالفاتيكان الذي بدأ يستشعر انسحاب بساط السيادة من تحت قدميه، وانفلات شعبه الذي لم يعد يخشى منه حَجْبًا أو حرمانًا، وجد نفسه في مطلع النصف الثاني من القرن الميلادي المنصرم أمام ثلاثة مواقف ليختار منها، وهي كما عددها البابا پولس السادس Pope Paul VI (١٨٩٧ - ١٩٧٨ م) وقتها: ١ - موقف (الجيتو) الهارب إلى عالمه الخاص، والمنكفئ على ذاته. ٢ - موقف التحريم، والاقتراب من العالم فقط بهدف إدانته. ٣ - موقف الحوار (٢). ولا ريب أن المصلحة اقتضت ترجيح الثالث. ولكن هذا (الانقلاب الكوپرنيكي) - كما تصفه الكتابات الكاثوليكية - (٣) لم يكن من باب التسليم بالأمر الواقع حيادًا عن الرسالة

(١) شمس الدين الذهبي: ميزان الاعتدال (٥/ ٦٠). (٢) انظر، ألكسي چورافسكي Alexei Jouravski: الإسلام والمسيحية، من التنافس والتصادم إلى آفاق الحوار والتفاهم، ص (١٤٠). (٣) نسبة إلى عالم الفلك والرياضيات الپروسي ميكواي كوپرنيك Mikolaj Kopernik (١٤٧٣ - ١٥٤٣ م)، صاحب نظرية (مركزية الشمس)، والتي نقض بها نظرية (مركزية الأرض) الكنسية التي تجعل الأرض مركز الكون والأجرام السماوية كافة تدور حولها. وكوپرنيكوس بنظريته تلك قد أحدث انقلابًا تاريخيًا زعزع سلطة الكنيسة التي كانت هي المصدر الوحيد للمعرفة. ولم ينج كوپرنيكوس من قبضة محاكم التفتيش إلا لأن المنية قد أدركته بعد طبع كتابه (عن دوران الأجرام السماوية De revolutionibus orbium coelestium) بقليل، والذي منعت الكنيسة تداوله وقالت أن ما فيه هو «وساوس شيطانية مغايرة لروح الإنجيل». ولذلك أشير إلى استخدامي لمصطلح (العَلْمانية) هكذا (بفتح العين وسكون اللام) نسبة إلى العَلْم، بمعنى العالَم، أي الخلق كله، لا (بكسر العين) نسبة إلى العِلْم التجريبي الذي انتصر على الكنيسة بعد صراع مرير سالت فيه الدماء وأزهقت فيه الأرواح، لأن الكنيسة كانت بالمرصاد لكل رأي علمي يعارض التفسير الديني للكتاب المقدس. وذلك لأن الإسلام في حل من هذا كله؛ فكما يقول جوستاف لوبون (١٨٤١ - ١٩٣١م): «والإسلام (من) أكثر الديانات ملاءمة لاكتشافات العلم، و(من) أعظمها تهذيبًا للنفوس وحملًا على العدل والإحسان والتسامح» [جوستاف لوبون: حضارة العرب، ص (١٢٦). Gustave Le Bon: La Civilisation des Arabes] .. فالترويج لمصطلح (العِلْمانية) بالكسر ينطوي على قدر كبير من الخطأ والتلبيس: وذلك لأن الكلمة في جذورها الأوروپية لا علاقة لها بالعلم؛ فـ (العَلْمانية) تعرف في اللغة الإنجليزية بـ (Secularism)، وكما جاء في دائرة المعارف البريطانية: «Secular: Non Spiritual، having no concern with religious or spiritual matters»، أي: «غير روحي، غير متعلق بالأمور الدينية والروحية» [Encyclopadia Britannica: vol. ٢٣، p(٥٧٢)]. ولو كان المصطلح المراد به النسبة إلى (العِلْم Science) لكان يعرف في اللغة الإنجليزية بـ (Scientism). وعلى هذا كله، وكما يذكر الدكتور صلاح الصاوي: «فإن المعنى الصحيح لهذا التعبير هو الفصل بين الدين والدولة، بل بتعبير أدق الفصل بين الدين والحياة، وعدم المبالاة بالدين أو الاعتبارات الدينية، ونزع القداسة عن المقررات الدينية والتعامل معها كمواريث بشرية بحتة، وقصر الدين على جانب الشعائر التعبدية الفردية البحتة باعتباره علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه» اهـ[د. صلاح الصاوي: أصول الإيمان، ص (١٩١)].

1 / 15

(الشاءولية/الپولسية) التبشيرية، إنما لجوءًا للحيلة (الطروادية) الأسطورية القديمة (١)، فكان الأمر كما وصفه اللاهوتي الفرنسي الأرثوذكسي أوليفييه كليمون Olivier Clément (١٩٢١ - ٢٠٠٩ م) بقوله: «إن هذا الحوار عبارة عن عملية تغليف مذهَّبة عصرية لحبة قديمة كانوا يفرضونها قهرًا على الشعوب فيما مضى» اهـ (٢). ولحق بركب الكاثوليك باقي الطوائف النصرانية متمثلة في (مجلس الكنائس العالمي

(١) أسطورة حصان طروادة: هي جزء من أساطير حرب طروادة. تقول الأسطورة إن الجنود الإغريق حاصروا مدينة طروادة Troy لمدة عشر سنين، ولما تعذر عليهم فتحها ابتدعوا حصانًا خشبيًا ضخمًا أجوف ملئوه بالمحاربين، ثم تظاهر سائر الجيش بالانسحاب تاركين الحصان الذي فهم الطرواديون أنه عرض سلام، خاصة بعد أن أقنعهم جاسوس إغريقي بأنه هدية، فقاموا بجره إلى داخل المدينة رغم تحذير لاكون Laocoon وكاساندرا Cassandra، وشرعوا يحتفلون بانتهاء الحصار، ولما خرج الجنود من الحصان، وجدوا السكان في حالة السكر، ففتحوا بوابات المدينة ليدخل باقي جيشهم، فنهبت المدينة، وقتل رجالها بلا رحمة، واستعبد النساء والأطفال. (٢) انظر، د. زينب عبد العزيز: تنصير العالم، مناقشة لخطاب البابا يوحنا پولس الثاني، ص (٩٧).

1 / 16

World Council of Churches WCC)، وفي المسألة تفصيل سيأتي .. ولكن ما يحزن له القلب أنه، وكما قال الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد ﵀ (١٣٦٥ - ١٤٢٩هـ) (١): «ما كادت شعارات هذه النظرية تلوح في الأفق، وتصل إلى الأسماع، إلا وقد تسربت إلى ديار الإسلام، فطاشت بها أحلام، وعملت من أجلها أقلام، وفاهت بتأييدها أفمام، وانطلقت بالدعوة إليها ألسن من بعد أخرى، وعلت الدعوة لها سدة المؤتمرات الدولية، وردهات النوادي الرسمية والأهلية ..»، وإلى الله المشتكى. أما أئمة دولة الرافضة الاثني عشرية، الإسلامية اسمًا، (المجوسية-اليهودية) ضمنًا؛ فطموحاتهم التوسعية في المنطقة طمعًا في إعادة المجد الفارسي القديم، قد عاقها انبعاث الصحوة الإسلامية السنِّية من جهة، والتهديد (الرومي) الإمپريالي (٢) الأمريكي من جهة أخرى، الأمر الذي ألجأهم إلى تمرير حصان طروادي آخر إلى الشعوب العربية السنِّية الغافلة، لاعبين على وتر الوحدة الإسلامية في مواجهة الخطر الصليبي المتصهين. وهي دعوة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قِبَلِهِ العذاب؛ ذلك لأن القوم ما دعوا إليها إلا من أجل تحقيق مصلحة وقتية، وهي نيل تأييد وتعاطف الرأي (العامِّي) الذي يظن في دولتهم أنها حصن الإسلام المنيع المتصدي لهذا الخطر (٣)، وأن حسن نصر الذي بات يهدد ليل نهار بضرب إسرائيل هو «رجل في زمن الأنوثة»، وأنه تأويل قول الله تعالى: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ (٤) وقوله ﷿: ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾!!! (٥).

(١) د. بكر أبو زيد: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان، ص (٢٩). (٢) الإمپريالية Imperialism: أي الاستعمار (أو الاستخراب على الصحيح!)، وهي تعني في المصطلح السياسي توسيع السيطرة أو السلطة على الوجود الخارجي بما يعني اكتساب وصيانة الإمپراطوريات. (٣) قال حسين شريعتمداري - أحد كبار مساعدي مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي ورئيس تحرير صحيفة (كيهان)، وهي الصحيفة اليومية الرسمية في إيران - في افتتاح له في مطلع أغسطس ٢٠٠٦م (أي بعد حرب لبنان الأخيرة) تحت عنوان (هذه حربنا): «إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء ولا من أجل مزارع شبعا أو حتى القضايا العربية أيًا كانت في أي وقت، وإنما من أجل إيران في صراعها الحدودي لمنع الولايات المتحدة من إقامة شرق أوسط أمريكي» اهـ. [انظر، عبد المنعم شفيق: حقيقة المقاومة، حزب الله رؤية مغايرة، مقدمة ط. الثالثة]. (٤) الروم: ٤ - ٥ (٥) النصر: ١ .. ويرُد ادعاء حسن نصر ما قاله المجرم أرييل شارون Ariel Sharon (١٩٢٨ - ٢٠١٤ م) في مذكراته، قال: «لم أر يومًا في الشيعة أعداء إسرائيل في المدى البعيد، ولا حتى في الدروز» [مذكرات أرييل شارون، ص (٥٨٤)]، وقال في أحداث حرب لبنان ١٩٨١م: «سنحرص حتى لا تطال هذه العملية الشيعة والدروز والمسيحيين» اهـ[نفسه، ص (٥٧٥)].

1 / 17

وما عاد يصعب على من يتأمل ساحة الأحداث ملاحظة أن المصلحة الحقيقية تقتضي اتفاق القطب الرومي والفارسي على اقتلاع الكيان السنِّي من المنطقة، ودع عنك المناوشات والحرب الكلامية بين الطرفين، فهم إن صدقوا في بعضها فهو من باب سياسة (عض الأصابع) التي يلجئون إليها عادة في حال تغيُّر (قواعد اللعبة)! (١). ... لقد تتابعت الأحصنة الخشبية في زماننا وتكاثرت؛ بين شرقية وغربية، رومية وفارسية، قومية عربية وتركية، كتابية ووثنية وإلحادية .. وكلها فُتحِت لها أبواب حصن (طروادة المسلمة)، دار السنَّة والجماعة .. وكان أخطرها فيما رأيت هما ما خصصت لهما القول. وكأني برسول الله ﷺ وهو يقول: «إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزَعُهُن ويغْلِبْنَه فيقْتَحِمْنَ فيها فأنا آخذ بحُجَزِكُم عن النار وأنتم تَقَحَّمون فيها» (٢). ورحم الله الشيخ الندوي (١٣٣٢ - ١٤٢٠هـ) إذ يقول (٣): «إن الشعوب الإسلامية

(١) ولعل من القرائن الدالة على ذلك إجماع ثلاثة من أشهر المحللين الأمريكيين المهتمين بقضايا الشرق الأوسط على أن تقارب واشنطن وطهران أمر وارد، في عهد إدارة (أوباما Obama) الأمريكية الجديدة [انظر، جريدة (المصري اليوم)، عدد الثلاثاء ٢/ ٦/٢٠٠٩م، ص (٦)]. كذلك فإن من القرائن الدالة على النوايا الفارسية المخبأة، ذلك التهديد الإيراني بمنع شركات الطيران من استخدامها مجالها الجوي إذا استعملت مصطلح (الخليج العربي) بدلًا من (الخليج الفارسي)؛ فكما نقلت وكالة (رويترز Reuters) الإخبارية عن صحيفة (إيران) اليومية في ٢٢ فبراير ٢٠١٠م ما قاله وزير الطرق والمواصلات الإيراني حامد بهبهاني أنه «تم التنبيه على شركات الطيران في الدول الواقعة جنوب الخليج (الفارسي)، التي تطير إلى إيران باستخدام مصطلح (الخليج الفارسي) على لوحات العرض الإلكترونية بها»، وأضاف: «وإذا لم تفعل فستمنع من دخول المجال الجوي الإيراني لمدة شهر في البداية، وإذا تكرر ذلك فستجبر طائراتها على الهبوط في إيران وستلغى تصاريح القيام برحلات إلى إيران». (٢) رواه البخاري (١٩٤ - ٢٥٦هـ)، كتاب الرقاق: ٦١١٨ (٣) أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص (٢٥٢).

1 / 18

والبلاد العربية - مع الأسف - ضعيفة الوعي، إذا تحرجنا أن نقول: فاقدة الوعي، فهي لا تعرف صديقها من عدوها ولا تزال تعاملهما معاملة سواء أو تعامل العدو أحسن مما تعامل الصديق الناصح وقد يكون الصديق في تعب وجهاد معها طول حياته بخلاف العدو، ولا تزال تلدغ من جحر واحد ألف مرة (١) ولا تعتبر بالحوادث والتجارب، وهي ضعيفة الذاكرة سريعة النسيان تنسى ماضي الزعماء والقادة، وتنسى الحوادث القريبة والبعيدة، وهي ضعيفة في الوعي الديني والوعي الاجتماعي وأضعف في الوعي السياسي، وذلك ما جر عليها ويلًا عظيمًا وشقاءً كبيرًا وسلط عليها القيادة الزائفة وفضحها في كل معركة» اهـ. إذن، فمحاولة لإعادة تقويم وعي الأمة وتجاوز هذا الجحر اللادغ! سطَّرت هذه الكلمات، عملًا بقول ربنا ﷻ: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (٢). ورضي الله عن حذيفة إذ يقول: «كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني» (٣)، وعن عمر إذ يقول: «إنما تُنقَض عُرَى الإسلام عروة عروة إذا نشأ فى الإسلام من لم يعرف الجاهلية»؛ قال ابن القيم ﵀ (٦٩١ - ٧٥١هـ) (٤): «وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية والشرك وما عابه القرآن وذمه، وقع فيه وأقره، ودعا إليه وصوَّبه وحسَّنه. وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه أهل الجاهلية أو نظيره، أو شر منه أو دونه، فينقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه ويعود المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والبدعة سنة والسنة بدعة، ويُكَفَّر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد، ويُبَدَّع بتجريد متابعة الرسول ﷺ ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حيٌّ يرى ذلك عيانًا، والله المستعان» اهـ.

(١) عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «لا يُلْدَغ المؤمن من جحر واحد مرتين» [رواه البخاري، كتاب الأدب: ٥٧٨٢]. (٢) الأنعام: ٥٥ (٣) رواه البخاري، كتاب المناقب: ٣٦٠٦ (٤) ابن قيم الجوزية: مدارج السالكين (١/ ٣٤٤). يقول الأستاذ سيد قطب ﵀ (١٩٠٦ - ١٩٦٦م): «الجاهلية ليست فترة من الزمن محدودة ولكنها طابع روحي وعقلي معين، طابع يبرز بمجرد أن تسقط القيم الأساسية لحياة البشرية كما أرادها الله» اهـ. [قاله في تقديمه لكتاب أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين].

1 / 19

والإشكال الذي نواجهه هنا هو أنه، وكما يصف الأستاذ عبد المنعم شفيق (١): «بين مُسلَّمات عقدية راسخة، وأصول مستقرة، وبين واقع ضاغط على الفكر والشعور، تضطرب الرؤى وتحار العقول». إلا أنه يحضرني قول أختم به للدكتور حسن ظاظا ﵀ (١٩١٩ - ١٩٩٩م)، أستاذ العبرية بجامعة الإسكندرية، حيث قال (٢): «قد يستطيع الإنسان تزييف الحقائق، وقد يسهل عليه أن يكذب حتى يصدِّق هو نفسه كل أكاذيبه، وينسى أنه مخترعها الأصلي. ولكن رغم هذا يبقى دائمًا شيء واحد: الكلمة المكتوبة منذ آلاف السنين، والآثار التي تحدد بالضبط عمر الأشياء وعمقها، ومخطوطات التاريخ التي تظل دائمًا هي المرجع وكلمة الصدق الوحيدة التي لا تميل مع أهواء البشر، وحتى إذا حدث ومالت، فبين سطورها تستطيع الحقيقة دائمًا أن تجد لها مكانًا» اهـ. وقد سميت الرسالة: (حصان طروادة: الغارة الفكرية على الديار السُّنِّية). وقسمتها إلى مقدمة وبابين وخاتمة: الباب الأول: وقد عنونته بـ (حصان رومي)، ويتكون من ثلاثة فصول: - الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار: ونوضح فيه معنى الحوار لغة واصطلاحًا، ومتى كانت بِداءةُ تداوله كمصطلح سياسي أيديولوچي (٣)، ثم نميِّز مستويات هذا الحوار وننقب عن البواعث الخفية للحوار العالمي المسيَّس للتقريب بين الإسلام والنصرانية من خلال طرح ما يسمى بـ (إشكالية الحوار والبشارة)، ثم نبين ضوابط الحوار الشرعي المحمود بين المسلمين وغيرهم. ونقيس على ذلك مساعي التقريب بين أهل السنة والجماعة والشيعة الإمامية، وقد رأيت دمجهما في فصل واحد لاتصال قواعد المسألتين نسبيًا.

(١) عبد المنعم شفيق: حزب الله رؤية مغايرة، ص (١٣). (٢) نقله ظفر الإسلام خان في كتابه: التلمود، تاريخه وتعاليمه، ص (٩٢)، عن حديث للدكتور حسن ظاظا نشرته جريدة (أخبار اليوم) في عدد ١٨/ ٧/١٩٧٠م، بعنوان: لغة العدو ماذا تقول؟ (٣) أيديولوچيا Ideology: مصطلح لاتيني معناه (علم الأفكار)، أي العلم الذي يهتم بدراسة الأفكار والآراء والتصورات من حيث أصولها ونشأتها وخصائصها وأشكالها وقوانينها وعلاقاتها بالعلامات والألفاظ الدالة عليها. وقد استعمله لأول مرة الفيلسوف الفرنسي ديستوت دي تراسي Destutt de Tracy (١٧٥٤ - ١٨٣٦ م) عام ١٧٩٦م.

1 / 20

- الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر: ننتقل فيه إلى مناقشة واقع الرؤية الغربية للعالم الإسلامي والمسلمين، والجذور الفكرية العميقة الداعمة لهذه الرؤية، والتي أثمرت عن حروب صليبية متصلة قديمًا وحديثًا على عدة مستويات. - الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة: وفيه نستكمل ما ناقشناه في الفصل الثاني ولكن من زاوية أخرى، وذلك ببيان واقع العلاقة بين اليهود والنصارى على مر التاريخ، والتي طُمِسَ عن عمد - غالبًا - الكثير من معالمها وغُلِّب عليها الرؤية الصهيونية المحصورة في دائرة (المؤامرة اليهودية العالمية) من جهة، و(معاداة السامية) من جهة أخرى. ثم نقدم عرضًا تاريخيًا تحليليًا أكثر عمقًا لهذه البدعة الصهيونية، وكيف أنها في حقيقتها امتداد للحرب الصليبية القديمة، ونبين كيف اجتمع القوم على كلمة سواء للقضاء على أمة الإسلام، عملًا بقاعدة: «أن نجتمع فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه»! أما الباب الثاني: وقد عنونته بـ (حصان فارسي): ننتهج فيه نهجًا مغايرًا لما اتخذناه في الباب الأول، يقوم على دراسة (تاريخية-عقائدية) لفرقة الشيعة الرافضة الاثني عشرية؛ فقد رأيت أن رصد الجانب العقدي وإبراز بعض المسائل التاريخية التي شابها التحريف قد يكون كافيًا لوضع التصور العام لما ينبغي أن يكون عليه الحوار والتعايش، بعيدًا عن الدخول في متاهات ودهاليز سياسية مختصر النصيحة فيها قول القائل: «الأحضان الإيرانية ليست دائمًا دافئة!». وقد قسمت الباب إلى ثلاثة فصول: - الفصل الأول: تشيُّع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية: وفيه نلقي نظرة تاريخية عامة على تاريخ التشيع ومراحل تطوره والمحطات التي أخرجته من دائرة السياسة إلى الانحراف العقدي إلى أن ظهرت فرقة الرافضة الاثني عشرية، ذلك مع بيان حال الشيعة الأوائل وتسليط الضوء على بعض الوقائع التاريخية التي وقع فيها التشويه المتعمد لسيرة السادة صحابة رسول الله رضوان الله تعالى عليهم، مع إدراج تأصيل علمي لمعنى الصحبة لغة واصطلاحًا وبيان حكم الإسلام فيمن تناول الصحابة ﵃ بسوء. - الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس: ونراجع فيه بعض الأصول

1 / 21

والاعتقادات التي تفردت بها الشيعة الإمامية نقلًا عن كتبهم المعتمدة رأسًا، وبيان مخالفتها لصريح الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، وفيه رد على من اختزل دينهم وجعله مذهبًا فقهيًا خامسًا يجوز للعامِّي المُتَّبِع التعبد به، ثم بيان العلاقة الحميمة بين صحابة الرسول وآل بيته الأطهار ﵃ من كتب الإمامية كذلك، ثم بيان موقف علماء الإسلام المتقدمين والمتأخرين من هذه الفرقة ومعتقداتها. - الفصل الثالث: شبهات وردودها: ونتناول فيه بعض أهم الشبهات التي يروج لها القوم إجمالًا فيما يتعلق بإمامة سيدنا علي بن أبي طالب ﵁ وفيما يتناول الطعن في عدالة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم. ثم الخاتمة. وأنا أُشهِد الله تعالى وأعلم من نفسي أنني لست أهلًا لهذا المقام، ولكن لعل دافعي كان قول رسول الله ﷺ: «رُب مُبَلَّغ أوعى من سامع» (١)، وقوله ﷺ: «رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (٢). يقول الشيخ العثيمين ﵀ (٣): «إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه، فلا فرق بين أن يكون عالمًا كبيرًا يُشار إليه، أو طالب علم مُجِد في طلبه، أو عامِّيًا لكنه عَلِم المسألة علمًا يقينيًا، فإن الرسول ﷺ يقول: "بلِّغوا عني ولو آية" (٤)، ولا يشترط في الداعية أن يبلغ مبلغًا كبيرًا في العلم، لكن يشترط أن يكون عالمًا بما يدعو إليه» اهـ. فخذ بعلمي وإن قصَّرتُ في عملي ... ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري ولا يفوتني بعد حمد الله تعالى جل ثناؤه، حمدًا كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه - لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك - لا يفوتني أن أتقدم بشكر واجب لكل من أعان على نشر هذه الرسالة وأسهم فيها بالرأي والنصح، فقد علَّمنا

(١) رواه الترمذي (٢٠٩ - ٢٧٩هـ)، كتاب العلم: ٢٦٥٧، وصححه الألباني. (٢) رواه الترمذي، كتاب العلم: ٢٦٥٦، وصححه الألباني. (٣) ابن عثيمين: تعاون الدعاة وأثره في المجتمع، ص (٣٢). (٤) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء: ٣٤٦١

1 / 22

رسول الله ﷺ إنه «لا يشكُرُ اللهَ من لا يشكُرُ الناس» (١)، وأخص بالذكر: الفقيد الحبيب الدكتور محمد يسري سلامة (١٩٧٤ - ٢٠١٣م)، الذي كان له الأثر القوي في إخراج هذا البحث على هذا الحال، لاسيما الباب الأول منه، والذي أفادني فيه بنصائحه الثاقبة ودعمه الكبير، ووصفه بالبحث الممتاز، رحمه الله تعالى وغفر له. وللجميع أقول: إن لسان حالي يعجز عن شكركم، ولكن عزائي أن «من صُنِعَ إليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء» (٢). فجزاكم الله خيرًا .. والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، وسلم تسليمًا كثيرًا وكتبه عمرو كامل عمر غفر الله له ولوالديه وللمسلمين وكانت بداءته في القاهرة، عصر يوم الخميس ٢٤ من شهر الله المحرم ١٤٢٧هـ الموافق ٢٣ فبراير/شباط ٢٠٠٦م وكان الفراغ منه في الإسكندرية، عصر يوم النَحْر الثلاثاء ١٠ من ذي الحجة ١٤٣١هـ الموافق ١٦ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٠م amrkamelomar@hotmail.com

(١) رواه أبو داود، كتاب الأدب: ٤٨١١، وصححه الألباني. (٢) رواه الترمذي، كتاب البر والصلة: ٢٠٣٥، وصححه الألباني.

1 / 23

الباب الأول حصان رومي الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

1 / 25