Traits of the Quran Memorizer
مختصر أخلاق حملة القرآن
ناشر
دار ابن الجوزي
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
١٤٣٨ هـ
ژانرها
مختصر
أخلاق حملة القرآن
للإمام
محمد بن الحسين الآجُرِّي (ت ٣٦٠ هـ) ﵀
اختصره
د. خالد بن عثمان السبت
دار ابن الجوزي
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
فهذه طبعة جديدة لهذا المُختصر، قد استدركنا فيها ما وقع في الطبعة الأولى من أخطاء، كما تم مُقَابَلته على مطبوعة جديدة لأصل الكتاب، إضافةً إلى بعض التعليقات في الحاشية.
فأسأل الله أن يتقبله، وينفع به؛ إنه سميع مجيب.
خالد بن عثمان السبت
٢٢/ رجب/ ١٤٣٦ هـ
* * *
1 / 5
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
فهذا مُخْتَصَر لكتاب «أخلاق حَمَلَة القرآن» للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري (ت: ٣٦٠ هـ) ﵀، وأعلى درجته في الجنة.
والمقصود من هذا الاختصار: تقريب الكتاب ليكون في مُتَنَاوَل الجميع، فينتفع به من شاء اللَّه من المُعَلِّمين والمُتَعَلِّمين في الحِلَق القرآنية وغيرها.
وإنما كان اختيار هذا الكتاب نَظَرًا لما حَوَاه من موضوعات لا غِنَى عنها لِمُعَلِّم القرآن ومُتَعَلِّمه وتَاليه؛ حيث ذَكَرَ مُؤَلِّفه ﵀ بعد الأبواب الثلاثة الأُوَل في فَضْل حَمَلَتِه ومُتَعَلِّمِيه ومُعَلِّمِيه، وما ورد في فضل الاجتماع في المساجد لِمُدَارَسَته - ذكر بعد ذلك أبوابًا في الآداب والأخلاق التي ينبغي أن يَتَحَلَّى بها أهلُ القرآن عمومًا، وما يُطْلَب من ذلك حال تعليمه أو تَعَلُّمه، أو عند تلاوته.
فالكتاب في غاية الأهمية في بابه، إلا أنه قد اشتمل على
1 / 6
بعض الروايات الضعيفة، وما قد يُبْنَى عليها من آداب ونحوها، إضافةً إلى شيء من التَّكرار في بعض المواضع، فجاء هذا المُخْتَصَر مُقْتَصِرًا على صَفْوِ ما في هذا الكتاب وتَرْك ما عداه.
* العمل المُتَّبَعُ في هذا المُخْتَصَر:
* أولًا: النسخَة (الأصل) المُعْتَمَدة:
في البداية كان البناء على نسخة إلكترونية من كتاب «أخلاق حَمَلَة القرآن» للآجري في موقع جامع شيخ الإسلام ابن تيمية، قد حُذِفَت أسانيدها دون الراوي الأول في الغالب، وكُتِب عليها (الناشر مكتبة الإمام ابن القيم العامة)، وبعد المقارنة بين بعض النسخ المطبوعة للكتاب تم اعتماد نُسخة مُحَقَّقَة هي الأصح من المطبوعات التي تَيَسَّر الوقوف عليها، وذلك بعد المُقَارَنة بين خمس نسخ، وهي:
١ - طبعة دار عمار، (الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ)، بتحقيق الدكتور غانم قدوري - حفظه الله -.
٢ - طبعة دار الصفا والمروة، (الطبعة: الأولى، ١٤٢٦ هـ)، بتحقيق: أحمد شحاتة الألفي (١).
_________
(١) وهي التي جَرى مُقابَلتها بهذا المُختصر في طبعته الثانية، كما أشرنا في مقدمتها.
1 / 7
٣ - طبعة مكتبة الدار، (الطبعة: الأولى، ١٤٠٨ هـ)، بتحقيق الدكتور عبدالعزيز القارئ - حفظه الله -.
٤ - طبعة مكتبة الإمام البخاري، بتحقيق الدكتور محمود النقراشي ﵀.
٥ - طبعة دار الكتب العلمية، بإشراف: المكتب السلفي لتحقيق التراث، وتخريج: محمد عمرو عبداللطيف.
فكانت من حيث تحقيق النص على الترتيب السابق، فأَجْوَدها الطبعة التي حققها الدكتور غانم القدوري، وهي المُعْتَمَدة في هذا المُخْتَصَر، سوى أحرف أو كلمات يسيرة تم ترجيح عبارة النُّسْخَة التي حققها الدكتور عبدالعزيز القارئ، أو أحمد الألفي، أو ما في بعض الكتب الأصول فيما يتعلق بالمرويات؛ وذلك لكونه أَلْيَقَ بالنَّظَر إلى السياق.
هذا بعد مقابلة النُّسْخَة المُشَار إليها بالمطبوعات الثلاث الأُوَل مُقَابَلةً كاملةً.
* ثانيًا: الحذف:
١ - حُذِف من هذا المُخْتَصَر الروايات الضعيفة، سواء كانت مرفوعة أم غير ذلك، وكذا ما قد يُبْنَى عليها من الأحكام أو الآداب.
1 / 8
٢ - حَذْف الروايات المُكَرَّرَة، والعبارات التي لا يَحتَاج إليها القارئ، مثل عبارة: «قال محمد بن الحسين» في بعض المواضع.
٣ - حَذْف الأسانيد.
٤ - وَضْع علامة تدل على الحذف في كل موضع وقع فيه حذف، وهي ثلاث نقط (...).
* ثالثًا: التخريج والعزو:
١ - إذا كان الحديث مُخَرَّجًا في الصحيحين أو أحدهما فإنه يُكْتَفَى بذلك، وإلا فمن بقية الكتب الستة، فإن لم يكن في شيء منها فمن بقية الكتب التسعة، فإن لم يكن في شيء منها: فمن المصادر الأخرى.
٢ - تم تخريج الآثار في الهامش، وأما الآيات فكان عَزْوُها بعد الآية مباشرة في صُلْب الكتاب، بين معقوفين [] تقليلًا للهوامش.
٣ - تم نقل أحكام العلماء على الرواية أو الإسناد مع التخريج ما أمكن.
* رابعًا: عبارات المؤلف:
أُثْبِتَت عبارة المؤلف من غير تَصَرُّف، سوى الحذف
1 / 9
المُشَار إليه، ومن ثم فإن ما تقرؤه في هذا المُخْتَصَر فإنه بحروفه من كلام الآجُرِّي.
* خامسًا: مقابلة النسخ:
قام بِمُقابَلَة النُّسَخ الأستاذة مرام الدايل، وقد شَارَكَتْها في بعض مراحل العمل الأستاذة أمل الدويش.
وأما التخريج فقد شَارَكَها في ذلك الشيخ حسين القحطاني.
وإنما كان عملي في هذا المُخْتَصَر: الإشراف، وتحديد مواضع الحذف، واختيار النسخة الأجود تحقيقًا بعد المُقَارنة المُشار إليها، وكذا اختيار اللفظة الأقرب - في نظري - في بعض المواضع التي اختلفت فيها النسختان (١، ٢)، مع مراجعة مَتْن هذا المختصر، وحواشيه وما في ضِمْنِها من التخريج والعزو.
هذا وأسأل الله أن يتقبل هذا العمل، وأن ينفع به كل من بذل فيه، أو طالعه، إنه سميع مجيب.
وكتبه: خالد بن عثمان السبت
ليلة الأحد، الخامس عشر من رمضان من عام ١٤٣٥ هـ
1 / 10
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالَ أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الآجُرِّيُّ ﵀:
أَحَقُّ مَا أَسْتَفْتِحُ بِهِ الْكَلامَ، الْحَمْدُ لِمَوْلانَا الْكَرِيْمِ، وَأَفْضَلُ الْحَمْدِ مَا حَمِدَ بِهِ الْكَرِيْمُ نَفْسَهُ، فَنَحْنُ نَحْمَدُهُ بِهِ:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣)﴾ [الكهف].
و﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢)﴾ [سبأ].
أَحْمَدُهُ على تواتر إحسانه وقديم نِعَمِه، حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مولاه الْكَرِيْمَ عَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُهُ عَلَيْهِ عَظِيمًا. وَأَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ، وَالشُّكْرَ عَلَى مَا تَفَضَّلَ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ، إنَّهُ ﴿ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤)﴾ [آل عمران].
1 / 11
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، وَنَبِيِّهِ، وَأَمِينِهِ عَلَى وَحْيِهِ وَعِبَادِهِ، صَلاةً تَكُونُ لَهُ رِضًا، وَلَنَا بِهَا مَغْفِرَةً، وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلَّم كَثِيرًا طَيِّبًا.
أما بعد:
فَإِنِّي قَائِلٌ - وباللهِ أَثِقُ لِتَوفِيقِ الصَّوَابِ مِنَ القَولِ والعَمَل، ولَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ -:
أَنْزَلَ اللهُ ﷿ الْقُرْآنَ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ، وَأَعْلَمَهُ فَضْلَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمَ خَلْقَهَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ: أَنَّ الْقُرْآنَ عِصْمَةٌ لِمَنْ اعْتَصَمَ بِهِ، وهُدًى لِمَنِ اهْتَدَى بِهِ، وغِنًى لِمَنِ اسْتَغْنَى بِهِ، وَحِرْزٌ مِنَ النَّارِ لِمَنِ اتَّبَعَهُ، وَنُورٌ لِمَنِ اسْتَنَارَ بِهِ، وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَهُدَى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ.
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ الكريم خَلْقَهُ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، وَيَعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ فَيُحِلُّوا حَلالَه، وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَيُؤْمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ، وَيَعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ، ويقولوا: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران: ٧].
ثُمَّ وَعَدَهُمْ عَلَى تِلاوَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ: النَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، وَالدُّخُولَ إِلَى الْجَنَّةِ.
ثُمَّ نَدَبَ خَلْقَهَ - إِذَا هُمْ تَلَوْا كِتَابَهُ - أَنْ يَتَدَبَّرُوهُ، وَيَتَفَكَّرُوا
1 / 12
فِيهِ بِقُلُوبِهِمْ، وَإِذَا سَمِعُوهُ مِنْ غَيْرِهِمْ أَحْسَنُوا اسْتِمَاعَهُ. ثُمَّ وَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ، فَلَهُ الْحَمْدُ.
ثُمَّ أَعْلَمَ خَلْقَهَ: أَنْ مَنْ تَلا الْقُرْآنَ، وَأَرَادَ بِهِ مُتَاجَرَةَ مَوْلاهُ الْكَرِيْم، فَأَنَّهُ يُرْبِحُهُ الرِّبْحَ الِّذِي لا بَعْدَهُ رِبْحٌ، وَيُعَرِّفُهُ بَرَكَةَ الْمُتَاجَرَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: جَمِيعُ مَا ذَكَرْتُهُ وَمَا سَأَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ بَيَانُهُ فَي كِتَابِ اللهِ ﷿، وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَمِنْ قَوْلِ صَحَابَتِهِ ﵃، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْهُ مَا حَضَرَني ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، واللهُ الْمُوَفِّقُ في ذَلِكَ.
قَالَ ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠)﴾ [فاطر].
وقَالَ ﷿: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٠)﴾ [الإسراء].
وقَالَ ﷿: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ
1 / 13
لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)﴾ [الإسراء].
وقَالَ ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧)﴾ [يونس].
وَقَالَ ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (١٧٥)﴾ [النساء].
وقال ﷿: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)﴾ [آل عمران].
وَحَبْلُ اللهِ هُوَ الْقُرْآنُ.
وَقَالَ ﷿: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣)﴾ [الزمر].
1 / 14
وقال ﷿: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)﴾ [ص].
وقال ﷿: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (١١٣)﴾ [طه].
ثُمَّ إنَّ اللهَ تعالى وَعَدَ لِمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى كَلامِهِ، فَأَحْسَنَ الأَدَبَ عِنْدَ اسْتِمَاعِهِ بِالاعْتِبَارِ الْجَمِيلِ وَلُزُومِ الْوَاجِبِ لاتِّبَاعِهِ، وَالْعَمَلِ بِهِ أَنْ يُبَشِّرَهُ ﷿ مِنْهُ بِكِلِّ خَيْرٍ، وَوَعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ أَفْضَلَ الثَّوابِ، فقال ﷿: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨)﴾ [الزمر] ...
فكلُّ كَلامِ ربِّنا حَسَنٌ لِمَنْ تَلاهُ، وَلِمَنِ اسْتَمَعَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا هَذَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - صِفَةُ قَوْمٍ إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ يَتَّبِعُونَ مِنَ الْقُرْآنِ أَحْسَنَ مَا يَتَقَرَّبُونَ به إِلَى اللهِ ﷿، مِمَّا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ مَوْلاهُمُ الْكَرِيْمُ، يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ رِضَاهُ، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ، سَمِعُوا اللَّهَ قَالَ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)﴾ [الأعراف]، فَكَانَ حُسْنُ اسْتِمَاعِهِمْ يَبْعَثُهُمْ عَلَى التَّذَكُّرِ فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَسَمِعُوا اللهَ ﷿ قال: ﴿فَذَكِّرْ
1 / 15
بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥)﴾ [ق].
وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ ﷿ عَنِ الْجِنِّ في حُسْنِ اسْتِمَاعِهِمْ لِلْقُرْآنِ، وَاسْتِجَابَتِهِمْ لِمَا نَدَبَهُمْ إِلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، فَوَعَظُوهُمْ بِمَا سَمِعُوا مِنْ الْقُرْآنِ بِأَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَوْعِظَةِ.
قَالَ اللهُ ﷿: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢)﴾ [الجن].
وقَالَ ﷿: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١)﴾ [الأحقاف] ...
وَقَدْ قَالَ اللهُ ﷿ فِي سُورَةِ ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١)﴾ [ق] مَا دَلَّنَا عَلَى عظيم مَا خَلَقَ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَجَائِبِ حِكْمَتِهِ فِي خَلْقِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَوْتَ وَعَظيمَ شَأْنه، ثم ذَكَرَ النَّارَ وَعَظيمَ شَأْنها.
1 / 16
ثم ذَكَرَ الجنَّة وما أَعَدَّ فِيهَا لأَوْلِيَائِهِ، فَقَالَ ﷿: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥)﴾ [ق] ...
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)﴾ [ق].
فَأَخْبَرَ - جَلَّ ذِكْرُهُ - أَنَّ الْمُسْتَمِعَ بِأُذُنَيْهِ يَنْبَغِي له أَنْ يَكُونَ مشَاهِدًا بِقَلْبِهِ مَا يَتْلُو، وَما يسمع؛ لِيَنْتَفِعَ بِتِلاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ، وبِالاسْتِمَاعِ مِمَّنْ يَتْلُوهُ.
ثُمَّ إنَّ اللهَ ﷿ حَثَّ خَلْقَهُ عَلَى أَنْ يَتَدَبَّرُوا الْقُرْآنَ، فَقَالَ ﷿: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)﴾ [محمد].
وقَالَ ﷿: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)﴾ [النساء] ...
أَلا تَرَوْنَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - إِلَى مَوْلاكُم الْكَرِيْم؛ كَيْفَ يَحُثُّ خَلْقَهَ عَلَى أَنْ يَتَدَبَّرُوا كَلامَهُ، وَمَنْ تَدَبَّرَ كَلامَهُ عَرَفَ الرَّبَّ ﷿، وَعَرَفَ عَظِيمَ سُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَعَرَفَ عَظِيمَ تَفَضُّلِهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ، وَعَرَفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ عِبَادَتِهِ، فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ الْوَاجِبَ، فَحَذِرَ مِمَّا حَذَّرَهُ مَوْلاهُ الْكَرِيْمُ، وَرَغِبَ فِيمَا رَغَّبَهُ فيه.
1 / 17
وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ عِنْدَ تِلاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ، وَعِنْدَ اسْتِمَاعِهِ مِنْ غَيْرِهِ، كَانَ الْقُرْآنُ لَهُ شِفَاءً، فَاسْتَغْنَى بِلا مَالٍ، وَعَزَّ بِلا عَشِيرَةٍ، وأَنِسَ بِمَا يَسْتَوحِشُ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ هَمُّهُ عِنْدَ تِلاوَةِ السُّورَةِ إِذَا افْتَتَحَهَا: مَتَى أَتَّعِظُ بِمَا أَتْلُو؟ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ: مَتى أَخْتِمُ السُّورَةَ؟ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ: مَتى أَعْقِلُ عَنِ اللهِ الْخِطَابَ؟ مَتى أَزْدَجِرُ؟ مَتى أَعْتَبِرُ؟ لأَنَّ تِلاوَتَهُ لِلْقُرْآنِ عبادة، والعبادة لا تَكُونُ بِغَفْلَةٍ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ لِذَلِكَ.
عَنِ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: «لا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقْل (١)، وَلا تَهُذُّوهُ هَذَّ الشِّعْرِ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ» (٢) ...
عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ ﷿: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ [البقرة: ١٢١]، قَالَ: «يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ» (٣).
_________
(١) الدَّقْل: رديء التمر ويابسه. ينظر: النهاية لابن الأثير (٢/ ١٢٧)، م: (دقل).
(٢) وإسناده ضعيف، لكنه صحيح بمجموع طرقه كما سيأتي.
أخرجه البغوي في معالم التنزيل (٤/ ٤٩٠ - ٤٩١) من طريق المصنف به.
للتوسع في الكلام على طرقه وأسانيده يُرَاجع: تعليق د. سعد آل حميد على تفسير سعيد بن منصور (٢/ ٤٤٤ - ٤٤٧).
(٣) إسناده صحيح.
أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (٢١١)، وابن جرير (٢/ ٥٦٧ - ٥٦٨) كلهم عن مجاهد.
1 / 18
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: وَقَبْلَ أَنْ أَذْكُرَ أَخْلاقَ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَمَا يَنْبَغِي لهم أَنْ يَتَأَدَّبُوا بِهِ؛ أَذْكُرُ فَضْلَ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ، لِيَرْغَبُوا فِي تِلاوَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَالتَّواضُعَ لِمَنْ تَعَلَّمُوا مِنْهُ أَوْ عَلَّمُوهُ.
* * *
1 / 19
بَابُ: فَضْلِ حَمَلَةِ القُرْآنِ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «للهِ مِنَ النَّاسِ أَهْلُونَ»، قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ! قَالَ: «أَهْلُ الْقُرْآنِ، هُمْ أَهْلُ اللهِ، وَخَاصَّتُهُ» (١) ...
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا» (٢) ...
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، واتْلُوهُ، فَإِنَّكُمْ تُؤْجَرُونَ بِهِ، إِنَّ بِكُلِّ اسْمٍ مِنْهُ عَشْرًا، أَمَا إِنِّي لا أَقُولُ بِـ ﴿الم] عَشْرٌ، وَلَكَنْ بِالأَلف عَشْرٌ، وَبِاللام عَشْرٌ، وَبِالْمِيمِ
_________
(١) أخرجه ابن ماجه (٢١٥).
وصححه الحاكم (١/ ٥٥٦)، والمنذري في الترغيب (٢/ ٣٥٤)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (١/ ٩١)، وحسنه العراقي في تخريج الإحياء (٢/ ٦٨٤)، والألباني في الضعيفة (٤/ ٨٤ - ٨٥).
(٢) أخرجه الترمذي (٢٩١٤)، وأبو داود (١٤٦٤).
وصححه الترمذي وابن حبان (٧٦٦)، والحاكم (١/ ٥٥٢ - ٥٥٣)، والذهبي، والألباني في الصحيحة (٢٢٤٠).
1 / 20
عَشْرٌ» (١) ...
* * *
_________
(١) إسناده صحيح، فيه عطاء بن السائب اختلط، وحماد بن سلمة ممن سمع منه قبل الاختلاط على قول الجمهور كما في الكواكب النيرات (ص ٣٢٥ - ٣٢٦).
ومع ذلك فقد توبع: تابعه سفيان وشعبة وحماد بن زيد
أخرجه الدارمي (٣٣٥١)، والطبراني (٩/رقم ٨٦٤٨، ٨٦٤٩)، وجميعهم ممن سمع عطاء قبل الاختلاط، فهذا دليل أن عطاء حفظه.
وصححه الألباني في الصحيحة (٦٦٠).
1 / 21
بابُ: فَضْلِ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعلَّمَه
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ﵁ قَالَ شُعْبَةَ: قُلْتُ لَهُ (١): عَنْ النَّبيِّ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ - قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَعَلَّمَهُ».
قَالَ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ (٢): فَذَلِكَ الذي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا.
فَكَانَ يُعَلِّمُ مِنْ خِلافَةِ عُثْمَانَ إِلَى إِمْرَةِ الْحَجَّاجِ (٣) ...
عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يقول: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّة (٤) فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى بُطْحَانَ (٥) أو (٦)
_________
(١) شُعْبَة بن الحَجَّاج أَحَدُ رواته، وشيخه في هذا الإسناد هو عَلْقَمة بن مَرْثَد.
(٢) هو السلمي.
(٣) أخرجه البخاري (٥٠٢٧). قال الحافظ في الفتح (٩/ ٧٦): «بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحَجَّاج: اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر. وبين آخر خلافة عثمان وأول ولاية الحَجَّاج العراق: ثمان وثلاثون سنة إلا ثلاثة أشهر، ولم أقف على تعيين ابتداء إقراء أبي عبدالرَّحمن وآخره. فالله أعلم بمقدار ذلك» اهـ.
(٤) مَوْضِع مُظلَّلٌ كان في مُؤَخَّر مَسْجد المدينة، أُعِد لنزول الغرباء فيه؛ من لا مأوى له ولا أهل. انظر: شرح سنن أبي داود للعيني (٥/ ٣٦٩)، وعون المعبود (٤/ ٢٣١).
(٥) اسم واد بالمدينة، سُمِّي بذلك لسعته وانبساطه، من البَطْح؛ وهو البَسْط. عون المعبود (٤/ ٢٣١).
(٦) الظاهر أن (أو) للتنويع، لكن في جامع الأصول: (أو قال إلى العقيق)، فدَلَّ على أنه شك من الراوي. مرقاة المفاتيح (٤/ ١٤٥٣).
1 / 22