الناحية الاجتماعية:
المجتمع في مصر والشام -في هذه الفترة- يموج بأجناس كثيرة مختلفة في العادات والتقاليد والأخلاق، فكما تقدم جاء الصليبيون وما يحملونه من عادات وأفكار من جهة، وجاء التتار ومعهم تقاليدهم ومبادئهم من جهة، وجاء بعض البغداديين إلى مصر، وخرج البعض من مصر إلى الشام، وذهب آخرون من الشام إلى مصر، وقد امتزجت هذه الشعوب ببعضها في الحرب والسلم، فكان منهم مجتمع مضطرب لا يعرف الاستقرار والسكون.
ويصور لنا المقريزي هذا المجتمع بقوله:
". . . فلما كثرت وقاع التتر في بلاد المشرق والشمال، وبلاد القبجاق، وأسروا كثيرًا منهم وباعوهم، تنقلوا في الأقطار، واشترى الملك الصالح نجم الدين أيوب جماعة منهم سماهم البحرية، ومنهم ملك ديار مصر، وأولهم المعز أيبك، ثم كانت لقطز معهم الواقعة المشهورة على عين جالوت، وهزم التتار، وأسر منهم خلقًا كثيرًا صاروا بمصر والشام.
ثم كثرت الوافدية في أيَّام الملك الظاهر بيبرس، وملؤوا مصر والشام. . . فغصت أرض مصر والشام بطوائف المغول، وانتشرت عاداتهم بها وطرائقهم، هذا وملوك مصر وأمراؤها وعساكرها قد ملئت قلوبهم رعبًا من "جنكيز خان وبنيه" وامتزج بلحمهم ودمهم مهابتهم وتعظيمهم، وكانوا إنما ربوا بدار الإسلام، ولقنوا القرآن، وعرفوا أحكام الملة المحمدية، فجمعوا بين الحق والباطل، وضموا الجيد إلى الرديء، وفوضوا لقاضي القضاة كل ما يتعلق بالأمور الدينية من الصلاة والصوم والزكاة والحج، وناطوا به أمر الأوقاف والأيتام، وجعلوا إليه النظر في الأقضية الشرعية، كتداعي الزوجين وأرباب الديون ونحو ذلك" (١).
فالمجتمع في هذا العصر تألف من:
طبقة الأمراء وعلى رأسهم السلطان: وهذه الطبقة لها الحظ الأوفر في
_________
(١) الخطط -للمقريزي- ٢/ ٢٢١.
1 / 36