أهلها، وعلى رأسهم الخليفة العباسي المستعصم بالله (١).
وبعد استيلاء التتار على العراق وخراسان وغيرها من بلاد الشرق، أصبح الطريق أمامهم مفتوحًا لغزو الشام، فسارعوا بجيوشهم عبر الفرات وما لبثوا أن استولوا على حلب ثم دمشق، حتَّى وصلوا بقيادة "هولاكو" إلى غزة في طريقهم إلى مصر، لكن الملك المظفر "قطز" (٢) -سلطان ديار مصر- باغتهم بجيش، ودارت بينهم معركة في "عين جالوت" (٣) سنة ٦٥٨ هـ، انتهت بهزيمة التتار وفرارهم (٤).
لكن التتار عادوا مرَّة أخرى لغزو الشام سنة ٦٩٩ هـ، وقصدوا دمشق، فاجتمع أعيان البلد وتقي الدين بن تيمية، واتفقوا على المسير إلى "قازان" -سلطان التتار- ومواجهته قبل دخوله دمشق، وأخذ الأمان منه لأهلها، فتوجهوا إليه، وكلمه الشَّيخ كلامًا قويًّا شديدًا فيه مصلحة عظيمة عاد نفعها على المسلمين (٥)، فحقنت الدماء، وحميت الدَّراري واندحر التتار بعد قدوم العساكر المصرية لمساعدة أهل الشام.
وكان ﵀ يحث النَّاس على الجهاد والاستعداد له في أي لحظة،
_________
(١) انظر: البداية والنهاية لابن كثير- ١٣/ ٧٩، ٨٣ - ٨٨، ٩١، ١٩٠ - ١٩٤.
وقد ذكر ﵀ في ص: ١٩٣ وصفًا محزنًا لبغداد وحالة أهلها بعد سقوطها بأيدي التتار.
(٢) هو: قطز بن عبد الله المعزي، سيف الدين، وثالث ملوك الترك المماليك بمصر والشام، كان مملوكًا للمعز "أيبك التركماني"، وكان شجاعًا مقدامًا حازمًا، حسن التدبير، وبعد قتال التتار وانتصاره عليهم، قتل أثناء عودته لمصر على يد بيبرس وبعض أمراء الجيش سنة ٦٥٨ هـ.
انظر: فوات الوفيات -للكتبي- ٣/ ٢٠١ - ٢٠٣.
والأعلام -للزركلي- ٦/ ٤٧.
(٣) عين جالوت: بين بيسان ونابلس من أعمال فلسطين كان الروم قد استولوا عليها مدة ثم استردها منهم صلاح الدين الأيوبي سنة ٥٧٩ هـ.
انظر: معجم البلدان للحموي- ٤/ ١٧٧.
(٤) انظر: البداية والنهاية لابن كثير- ١٣/ ٢٠٧ - ٢١١.
(٥) المصدر السابق ١٤/ ٦ - ١٢، والأعلام العلية للبزار- ص: ٦٤، ٦٥.
1 / 33