فقال الملك بصوت حازم: «إني أسائلك: ألم تكن في معبد راهبات «كرمل» لدي عين جدة، وهل لم تر هناك «برنجاريا» ملكة إنجلترا ووصيفات بلاطها اللائي قصدن إلى هناك حاجات؟»
فرد عليه السير كنث وقال: «سيدي، سأصدقك القول كأني أعترف لك! في معبد تحت الأرض، هداني إليه الناسك، شاهدت رتلا من النساء يغنين ويظهرن ولاءهن لأثر مقدس كريم، ولكني لم أر وجوههن، ولم أسمع أصواتهن، إلا وهن يرتلن الأناشيد، ولذا فإني لا أستطيع أن أقول هل كانت ملكة إنجلترا في هذا السرب أو لم تكن.» «وهل لم تتعرف واحدة من هؤلاء السيدات؟»
فسكت السير كنث ولم يحر جوابا.
فقال رتشارد وقد نهض على مرفقيه: «إني أسائلك كفارس وكرجل كريم - وسوف أعرف من جوابك كيف تقدر هاتين الخلتين - هل عرفت أية سيدة من بين هذه الزمرة من العابدات أو لم تعرف؟»
فقال كنث وقد خالجه كثير من التردد: «مولاي، إني أستطيع أن أرمي بالظن.»
فرد عليه الملك وقد قطب جبينه وعبس وقال: «وأنا كذلك أستطيع أن أرمي بالظن، ولكن كفاك هذا، قد تكون نمرا يا سير كنث، ولكن حذار أن تتحرش بكف الأسد. استمع إلي، إنك إن شغفت بالقمر حبا فلقد أتيت أمرا إدا، وإنك إن قفزت من أسوار برج شاهق أملا في الدنو من هالته فلقد هلكت رعونة ونزقا.»
وفي تلك الآونة علا في الغرفة الخارجية بعض الضجيج، فسارع الملك وارتد إلى أسلوبه المعهود وقال: «كفى، كفى، واغرب عني. سارع إلى دي فو وابعث به إلي مع الطبيب العربي. حياتي لدين السلطان! تالله لو أنكر السلطان عقيدته لمددته بمهندي يطرد به هذا الزبد من الفرنسيين والنمساويين من ملكه، وما أظن إلا أن فلسطين ستنعم تحت حكمه كما كانت تنعم حينما كان يتأمر عليها ملوك مباركون بتفويض من الله.»
وحينئذ تراجع فارس النمر، ولم تمض دقائق معدودات حتى أعلن الحاجب قدوم وفد من المجمع أتى ليمثل لدى جلالة ملك الإنجليز.
فأجاب الملك قائلا: «يسرني أنهم يعترفون بأني ما زلت على قيد الحياة، ولكن من هم أولاء السفراء الموقرون؟» «هما الرئيس الأعلى لرجال المعبد ومركيز منتسرا.»
فقال رتشارد: «إن أخانا ملك فرنسا لا يحب فراش المرضى، ولو كان فيليب هو العليل لوقفت إلى جوار سريره أمدا طويلا، أي «جوسلين» مهد سريري خيرا من هذا، فلقد انقلب كبحر عاصف، وهات لي تلك المرآة الصلبة، ومشط شعر رأسي ولحيتي فإنهما حقا ليبدوان كمعرفة الأسد، لا كغدائر الرجل المسيحي، ناولني ماء.»
صفحه نامشخص