فأجاب العربي بكبرياء وعظمة وقال: «ولكن رجلا واحدا قد استطاع أن يعترض سبيلك.»
فأجاب المسيحي: «صدقت أيها المسلم الجريء، ولكن كم من الناس كمثلك ؟ إن البزاة لا تطير في الأسراب، وإذا أقبلت سربا لن تنقض جماعة على واحد مفرد.»
ولا ريب أن العربي قد سر من هذا الثناء، بعد أن كان قد انجرح في عزته حينما كان الأوروبي يفخر بنفسه ويحقر من شأن صاحبه تلميحا، ثم قال: «هذا صواب وعدل، وما كان لي أن أسيء إليك؛ إنني كنت مجدودا حقا إذ لم أصبك بضربتي وشخصك في حمى ملك الملوك، ولو أنني جندلتك لحقت علي النقمة جزاء هذا الجرم، ولأصابني حد السيف.»
فقال الفارس: «يسرني أن أسمع أن الأمر قد انتهى بما ينفعني، فلقد بلغني أن الطريق موبوءة بالكثير من قطاعها الذين لا يترددون في السلب إذا تهيأت لهم فرصته.»
قال العربي: «لقد صدقتك فيما خبرتك به، أيها المسيحي الجسور، ولكني أقسم لك بالنبي الكريم أنك لو سقطت في أيدي هؤلاء الأشرار لأخذت على نفسي الانتقام لك بخمسة آلاف جواد، ولقتلتهم جميعا وأرسلت نساءهم أسيرات إلى مكان ناء، ولن تسمع لتلك القبيلة بعد ذلك اسما يذكر في حدود خمسمائة فرسخ حول دمشق، ولنشرت الموت في جذور بلادهم فلن ترى فيها كائنا حيا من بعد.»
فأجاب الفارس قائلا: «أيها الأمير النبيل، ليت هذه المشقة التي تأخذها على نفسك كانت في سبيل الانتقام لشخص آخر أعلى مني مكانة، إنما أنا أمري بيد الله، إن أراد بي خيرا فخير، وإن أراد بي شرا فشر، وإنني لمدين لك حقا لهدايتك إياي الطريق إلى مكان أستريح فيه هذا المساء.»
فقال العربي: «ستجد راحتك في خباء أبي تحت قبائه الأسود.»
فأجاب المسيحي: «إنما ينبغي لي أن أقضي هذا المساء مصليا مستغفرا مع رجل قديس اسمه تيودوريك «بعين جدة» يسكن هذا القفر ويقضي العمر في عبادة الله.»
فقال العربي: «لا أقل من أن أبلغك هذا المكان آمنا.»
فأجاب المسيحي: «نعم الحارس، ولكن ألا تدري أنه قد يكون في ذلك خطر على ذلك الأب الطيب في مستقبل سلامته، فكم من مرة امتدت فيها أيدي قومك القساة إلى أتباع السيد المسيح، وتلطخت بدمائهم، ولذا فنحن لا نقصد هذه البلاد إلا مسلحين بالسيوف والحراب كي نفتح الطريق إلى القبر المقدس، ونحمي القديسين الأخيار والرهبان الذين يقطنون هذه الأرض، أرض الأمل والمعجزات.»
صفحه نامشخص