فقال السير كنث: «أستودعك الله إذن يا رزوال، وداعا يا صاحبي الأوحد والأخير، إنما أنت أنفس من أن يتملكك رجل له ما سوف يكون لي في مستقبل أيامي.» ولما تراجع العبدان قال: «وددت لو أني بدلت بحالي حال هذا الحيوان النبيل، رغم أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة!»
فأجاب العربي مع أن السير كنث لم يتوجه إليه بهذا الرجاء وقال: «لقد كتب على المخلوقات جميعا أن تكون في خدمة الإنسان، فإذا كان سيد الأرض يود لو يبدل - وهو جازع - بأمله في الدنيا والآخرة حالا وضيعة يعيش عليها مخلوق دنيء كالكلب، فإنه لا ينطق إلا حمقا.»
فقال الفارس عابسا: «إنما الكلب الذي يموت في أداء واجبه خير من الإنسان الذي يحيا بعد إهماله. دعني أيها الحكيم. أجل، إن لديك بطبك المعجز أعجب ما وصل إليه الإنسان من علم، ولكن جراح الروح فوق طاقتك.»
فقال «أدنبك» الحكيم: «كلا، ليس كذلك إن كان المريض يبوح برزئه، ويسلس للطبيب القياد.»
فقال السير كنث: «ما دمت تلحف كذلك فلتعلم إذن أن راية إنجلترا كانت الليلة البارحة مرفوعة فوق هذه الرابية، وكنت على حراستها - لقد انبثق النهار - انظر ترى رمح العلم المحطم ملقى هناك، وقد افتقدت الراية نفسها. وها أنا ذا أجلس هنا على قيد الحياة!»
فأجاب الحكيم وهو يتفرسه وقال: «كيف كان ذلك! إني أرى درعك سليما ولا أرى أثرا للدماء على سلاحك؛ وذكرك بين الناس ينطق ببعد احتمال عودك هكذا بعد القتال. أجل، لقد انسقت من منصبك، وجذبتك بورد خديها، وحور عينيها، إحدى أولئك الحور، اللائي تحملون لهن - أنتم أيها النصارى - ولاء يليق برب السماوات، لا حبا يجوز التوجه به شرعا لمخلوقات مثلنا من الطين. لا شك في أن الأمر كان كذلك، فهكذا زل الإنسان منذ الأزل من يوم أبينا آدم.»
فرد عليه السير كنث مكتئبا وقال: «وإن كان الأمر كذلك أيها الطبيب فما دواؤك؟»
فقال الحكيم: «العلم فوق المقدرة، كما أن الشجاعة فوق القوة. استمع إلي، ليس الإنسان كالشجرة معقودا بمكان واحد من الأرض، وليس مصاغا بحيث يتشبث بصخرة واحدة جرداء كالقوقعة تكاد لا تدب فيها الحياة، وكتابكم المسيحي يأمركم إن لاقيتم جورا ببلد أن تلوذوا ببلد آخر، ونحن المسلمين كذلك نعرف أن محمدا رسول الله بعدما فر من مكة المكرمة أوى إلى المدينة وألفى بها أنصارا.»
فقال الاسكتلندي: «وما شأن هذا بي؟»
فأجابه الطبيب قائلا: «شأن كبير، ألا تعلم أن الحكيم نفسه يتوارى عن العاصفة إن كان لا يستطيع لها ردا؟ إذن فلتعمد إلى العجلة وتفر من نقمة رتشارد إلى ظل راية صلاح الدين الظافرة.»
صفحه نامشخص