للألم من بعد ومانعا من اللذة ما هو أضعاف لما تقدم منها. وذلك أنهما لا يريان إلا حالتهما في الذي هما فيه لا غير، وليس بهما إلا إطراح الألم المؤذي عنهما وقتهما ذلك، كإثار الطفل الرمد حك عينيه وأكل التمر واللعب في الشمس. ومن اجل ذلك يحق على العاقل أن يردعهما ويقمعهما ولا يطلقهما إلا بعد التثبت والنظر فيما يعقبانه ويمثل ذلك ويزنه ثم يتبع الأرجح لئلا يألم من حيث ظن أنه يلتذ ويحسر من حيث ظن أنه يربح. فإن دخلت عليه من هذا التمثيل والموازنة شبهة لم يطلق الشهوة لكن يقيم على ردعها ومنعها. وذلك أنه لا يأمن أن يكون في لإطلاقها من سوء العاقبة ما يكون إيلامه واحتمال مؤو نته أكثر من احتمال مؤونة الصبر على قمعها أضعافا مضاعفة، فالحزم إذا في منعها. وإن تكافأت عنده المؤونتان أقام أيضا على ردعها، وذلك أن المرارة المتجرعة أهون وأيسر من المنتظرة التي لابد من تجرعها على الأمر الأكثر. وليس يكتفي بهذا فقط بل ينبغي أن يقمع هواه في كثير من الأحوال - وإن لم ير لذلك عاقبة مكروهة - ليمرن نفسه ويروضها على احتمال ذلك واعتياده فيكون ذلك عليها عند العواقب الرديئة أسهل، ولئلا تتمكن الشهوات منه وتتسلط عليه. فإن لها من التمكن في نفس الطبيعة والجبلة ما لا يحتاج أن يزاد فضل تمكن فضل تمكن بالعادة أيضا فيصير بحال لا يمكن مقاومتها بتة. وينبغي أن تعلم أن المؤثرين للشهوات المدمنين لها المنهمكين فيها يصيرون منها إلى حالة لا يلتذونها ولا يستطيعون مع ذلك
صفحه ۲۲