ولإضراب عنه وترك الفكر فيه متى خطر بباله. وأيضا فإن الحسد نعم العون والمنتقم من الحاسد والمحسود، وذلك أنه يديم همه وغمه ويذهل عقله ويعذب جسده ويوهن بأشغال نفسه وإضعاف جسده كيده للمحسود وسعيه عليه إن دام ذلك. فأي رأي هو أولى بالتسفيه والترذيل من الذي لا يجلب على صاحبه إلا ضررا، وأي سلاح أحق وأولى بالاطراح من الذي هو جنة للعدو وجارح للحامل؟ وأيضا فإن مما يمحو الحسد عن النفس ويسهل ويطيب لها الإقلاع عنه أن يتأمل العاقل أحوال الناس - ترقيهم في المراتب ووصولهم إلى المطالب - وأحوالهم مما صاروا إليه من هذين البابين، ويجيد التثبت فيه على ما نحن ذاكروه هاهنا، فإنه سيهجم منه على أن حالة المحسود عند نفسه خلافها عند الحاسد، وأن يتصوره الحاسد من عظمها وجلالتها ونهاية غبطة المحسود وتمتعه بها ليس كذلك. أقول: إن الإنسان لا يزال يستعظم الحالة ويستجلها ويود ويتمنى بلوغها والوصول إليها، ويرى بل لا يشك أن الذين قد نالوها وبلغوها هم في غاية الاغتباط والاستمتاع بها، حتى إذا بلغها ونالها لم يفرح ولم يسر بها إلا مديدة يسيرة بقدر ما يستقر فيها ويتمكن منها ويعرف بها، ويكون هذه المديدة عند نفسه مسعودا مغتبطا بها، حتى إذا حصلت له هذه الحالة - المتمناة كانت - واستحكم كونه فيها وملكه لها ومعرفة الناس له
صفحه ۵۲