تراخيه، فإن أحدهما هو الذي حرمه وأقعده عن بلوغ أمله. مع أنه إذا كان هذا السابق أخا أو ابن عم أو قريبا أو معرفة أو بلديا كان أصلح للحاسد وكان أرجى لخيره وآمن من شره، إذ بينهما وصلة التختن وهي وصلة طبيعية وكيده وأيضا فإنه إذا كان لا بد أن يكون في الناس الرؤساء والملوك والمثرون والمكثرون ولم يكن الحاسد ممن يؤمل ويرجو أن يصير ما هو لهم إليه أو إلى من صار إليه انتفع هو به فليس لكراهيته أن يبقى عليه وجه في العقل بتة، لأنه سواء عليه بقى فيهم أو صار إلى غيرهم ممن حاله في عدم انتفاعه بهم حاله وأيضا فنقول: إن العاقل قد يزم ببصيرة نفسه الناطقة وقوة نفسه الغضبية نفسه البهيمية حتى يرعها من إصابة الأشياء اللذيذة الشهية عما لا شهوة ولا لذة فيه، وفيه مع ذلك مضرة النفس والبدن جميعا . وأقول: إن الحسد مما لا لذة فيه، وإن كان فيه منها شئ فإنه أقل كثيرا من سائر الأشياء من اللذات، وهو مضر بالنفس والجسد. أما بالنفس فلأنه يذهلها ويعزب فكرها ويشغلها حتى لا تفرغ للتصرف فيما يعود نفعه على الجسد وعليها لما يعرض معه للنفس من العوارض الرديئة، مثل طول الحزن والهم والفكر. وأما بالجسد فلأنه يعرض له عند حدوث هذه الأعراض للنفس طول السهر وسوء الاغتذاء، ويعقب ذلك رداءة اللون وسوء السحنة وفساد المزاج. وإذا كان العاقل يزم بعقله الهوى - المقرب إليه الشهوات اللذيذة بعد أن تكون مما يعقب مضرة - فأولى به وأولى أن يجتهد في محو هذا العارض عن نفسه ونسيانه
صفحه ۵۱