ولأنا قد ذكرنا فيما مر من كلامنا قبيل الإلف فإنا قائلون في هائيته والاحتراس منه بعض القول، فنقول: إن الإلف هو ما يحدث في النفس عن طول الصحبة من كراهية مفارقة المصحوب، وهي أيضا بلية عظيمة تنمى وتزداد على الأيام ولا يحس بها إلا عند مفارقة المصحوب، ثم يظهر منها حينئذ دفعة أمر مؤذ للنفس جدا. وهذا العارض يعرض للبهائم أيضا إلا أنه في بعضها أوكد منه في البعض. والاحتراس منه يكون بالتعرض لمفارقة المصحوب حالا بعد الحال، وأن لا ينسى ذلك ويفعل البتة بل تدرج نفسه إليه وتمرن عليه.
وقد بينا من هذا الباب ما فيه كفاية، ونحن الآن قائلون في العجب.
الفصل السادس في العجب
أقول: إنه من أجل محبة كل إنسان لنفسه يكون استحسانه للحسن منها فوق حقه واستقباحه للقبيح منها دون حقه، ويكون استقباحه للقبيح واستحسانه للحسن من غيره - إذ كان بريا من حبه وبغضه - بمقدار حقه، لأن عقله حينئذ صاف لا يشوبه ولا يجاذبه الهوى. ومن أجل ما ذكرنا فإنه إذا كانت للإنسان أدنى فضيلة عظمت عند نفسه وأحب أن يمدح عليها فوق استحقاقه. وإذا تأكدت فيه هذه الحالة صار عجبا، ولا سيما إن وجد قوما يساعدونه على
صفحه ۴۶