اصطلاحي، فأحب أن يعيهم بمثل ما عابوه جهلا منه بما لهم دونه في هذا الباب.
فقلت له فمن علم أن القمر ينكسف ليلة كذا وكذا، وأن السقمونيا يطلق البطن متى أخذ، وأن المرداسنج يذهب بحموضة الخل متى سحق وطرح فيه إنما صح له علم ذلك من اصطلاح الناس عليه؟ فقال لا. فقلت فمن أين علم ذلك؟ فلم يكن فيه من الفضل ما يبين عما به نحوت. ثم قال فإني أقول إنها كلها اضطرارية، ظنا منه وحسبانا أنه يتهيأ له أن يدرج النحو في العلوم الاضطرارية. فقلت له خبرني عمن علم أن المنادى بالنداء المفرد مرفوع وأن المنادى بالنداء المضاف منصوب، أعلم أمرا اضطراريا طبيعيا أم شيئا مصطلحا باجتماع من بعض الناس عليه دون بعض؟ فلجلج بأشياء يروم بها أن يثبت أن هذا الأمر اضطراري مما كان يسمعه من أستاذيه، فأقبلت أريه تداعيه وتهافته مع ما لحقه من استحياء وخجل شديد واغتنام. وأقبل الشيخ يتضاحك ويقول له ذق يا بني طعم العلم الذي هو على الحقيقة علم. وإنما ذكرنا من هذه القصة ما ذكرنا ليكون أيضا من بعض المنبهات والدواعي إلى الأمر الأفضل، إذ ليس لنا غرض في هذا الكتاب إلا ذاك ولسنا نقصد - بما مر من كلامنا هذا من الاستجهال والاستنقاص - لجميع من عني بالنحو والعربية واشتغل بهما وأخذ منهما، فإن فيهم من قد جمع الله له إلى ذلك حظا وافرا من العلوم، بل للجهال من هؤلاء الذين لا يرون أن علما موجود سواهما ولا أن أحدا يستحق أن يسمى عالما إلا بهما
صفحه ۴۴