ونقول أيضا: إن العشاق مع طاعتهم للهوى وإيثارهم اللذة وتعبدهم لها يحزنون من حيث يظنون أنهم يفرحون، ويألمون من حيث يظنون أنهم يلذون. وذلك أنهم لا ينالون من ملاذهم شيئا ولا يصلون إليه إلا بعد أن يمسهم الهم والجهد ويأخذ منهم ويبلغ إليهم. وربما لم يزالوا من ذلك في كرب منصبة وغصص متصلة من غير نيل مطلوب بتة. والكثير منهم يصير لدوام السهر والهم وفقد الغذاء إلى الجنون والوسواس وإلى الدق والذبول. فإذا هم وقعوا من حبال اللذة وشباكها في الرديء والمكروه، وأدتهم عواقبها إلى غاية الشقاء والتهلكة. وأما الذين ظنوا أنهم ينالون لذة العشق كملا ويصيبونه ممن ملكوه وقدروا عليه فقد غلطوا وأخطئوا خطا بينا. وذلك أن اللذة إنما تكون إذا نيلة بمقدار بلاغ ألم المؤذي الباعث عليها الداعي إليها، ومن ملك شيئا وقدر عليه ضعف فيه هذا الباعث الداعي وهدأ وسكن سريعا. وقد قيل قولا حقا صدقا إن كل موجود مملوك وكل ممنوع مطلوب ونقول أيضا: إن مفارقة المحبوب أمر لا بد منه اضطرارا بالموت، وإن سلم من سائر حوادث الدنيا وعوارضها المبددة للشمل المفرقة بين الأحبة. وإذا كان لا بد من إساغة هذه الغصة وتجرع هذه المرارة فإن تقديمها والراحة منها أصلح من تأخيرها والانتظار لها، لأن ما لا بد من وقوعه متى قدم أزيح مؤونة الخوف منه مدة تأخيره. وأيضا فإن منع النفس من محبوبها قبل أن يستحكم حبه ويرسخ فيها ويستولي عليها أيسر وأسهل. وأيضا فإن العشق متى
صفحه ۴۰