الدينار الواحد، على أن الأول قد أعطي أضعاف هذا فلم يكمل له صلاح حالته. والبهيمة إذا توفر عليها ما يدعوها إليه الطباع كمل وتم التذاذها بذلك، ولا يضرها
ولا يؤلمها فوت ما وراء ذلك إذ كان لا يخطر لها ببال بتة. على أن للبهيمة فضل اللذة أبدا على كل حال. وذلك أنه ليس أحد من الناس يقدر أن يبلغ كل أمانيه وشهواته، لأن نفسه لما كانت نفسا مفكرة مروية متصورة للغائب عنه وكان في طباعها أن لا تكون لذي حال حالة إلا وتكون حالتها هي الأفضل، لا تخلو في حالة من الأحوال من التشوق والتطلع إلى ما لم تحوه والخوف والإشفاق على ما قد حوته، فلا تزال لذلك في نقص من لذتها وشهوتها. فإن إنسانا لو ملك نصف الأرض لنازعته نفسه إلى ما بقى منها وأشفقت وخافت من تفلت ما حصل له منها، ولو ملك الأرض بأسرها لتمنى دوام الصحة والخلود وتطلعت نفسه إلى علم خبر جميع ما في السماوات والأرضين. ولقد بلغني عن بعض الملوك الكبار الأنفس أنه ذكر عنده ذات يوم الجنة وعظيم ما فيها من النعيم مع الخلود، فقال أما أنا فإني أتنغص هذا النعيم وأستمره إذا فكرت بأني منزل فيها منزلة المفضل عليه المحسن إليه. فمتى يتم التذاذ هذا واغتباطه بما هو فيه، وهل المغتبط عند نفسه إلا البهائم ومن جرى مجراها؟ كما قال الشاعر:
وهل ينعمن إلا سعيد مخلد ... قليل الهموم ما يبيت بأوجال
وهذه العصابة من المتفلسفة تترقى من زم الهوى ومخالفته بل من إهانته
صفحه ۲۶