ويقال: إن شيث أظهر الطب وأنه ورثه من أبيه آدم عليهما السلام، وقيل: استخرجه قوم بمصر، وقيل: إن الهند استخرجوه، وقيل: السحرة، وقيل: إدريس وهو هرمس استخرجه كما استخرج الصنائع، وقيل: إنه حصل بالتجارب، وقيل: بالقياس، والأغلب أنه من تعليم الله تعالى وإلهامه وهو الحق، ثم أضيف إليه التجارب والقياس، وقد رأينا الناس وبعض الحيوان يستعملون الطب طبعا وإلهاما فإن كل من أحس بالجوع طلب الغذاء، وكذا إذا عطش طلب الماء، وإذا كرب تبرد وبالضد وإذا تخم أعرض عن الأكل، وهذا من الطب، والحية إذا خرجت بعد الشتاء وقد كل بصرها تأتي إلى الرازيانج وهو الشونيز فتأكل منه وتقلب عينها عليه فتبصر، وقد نبه الأطباء على استعماله عند ظلمة البصر، وكذا الطائر الغواص على السمك إذا احبس طبعه حقن نفسه بماء البحر، وفرخ الخطاف إذا عمى حلمت إليه أمه الماميران من الصين فيبصر، والنسر إذا عسر عن الأنثى بيضها أتى الذكر إلى الهند وأخذ الحجر المسمى باكتمكت وهو كالبندقة -إذا حركته سمعت من جوفه حركة فيضعه تحتها فيسهل بيضها، والثعلب إذا مرض في الربيع يأكل حشيشا يسهله فيصح وكذلك الهر تأكله فيعينها على القي، ومعلوم أن الحشيش ليس من أغذيتها فسبحان من أعطى كل شيء خلقه ثم هدي.
قال الخطابي: اعلم أن الطب على نوعين: الطب القياسي وهو طب يونان الذي يستعملونه في أكثر البلاد وطب العرب والهند وهو طب التجارب وأكثر ما وضعه النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو على ما وضعه العرب إلا ما خص به من العلم النبوي من طريق الوحي فإن ذلك يخرق كل ما تدركه الأطباء وتعرفه الحكماء، وكل ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصواب، عصمه الله تعالى أن يقول إلا صدقا وأن يفعل إلا حقا.
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في مختصر المستدرك: تشريع النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يدخل فيه كل الأمة إلا أن يخصه دليل وتطبيبه لأصحابه وأهل أرضه خاص بطباعهم وأرضهم إلا أن يدل دليل على التعميم.
وقال ابن القيم: كان علاجه صلى الله عليه وسلم للمريض ثلاثة أنواع أحدها بالأدوية الطبيعية والثاني بالأدوية الإلهية، والثالث بالمركب من الأمرين.
صفحه ۲۰